Dark Mode
Wednesday, 02 April 2025
Logo
The Handing Over of the Syrian Coast to SDF: A Lifeline for Syria Against Division
Dr. Mahmoud Abbas

لقد أثبتت السنوات الماضية أن المشروع السياسي الوحيد الذي حافظ على توازنه وقدّم نموذجاً مستقراً للحكم والإدارة المحلية هو مشروع الإدارة الذاتية في غرب كردستان المعروف بشمال وشرق سوريا. 

في الوقت الذي انهارت فيه معظم كيانات المعارضة السورية وفقدت شرعيتها محلياً ودولياً، لم يكن ذلك بسبب تشرذمها فحسب، بل أيضاً بسبب تواطؤها ــ وأحياناً تعاونها ــ مع مجموعات متطرفة سيطرت على مناطق شاسعة تحت لواء ما يسمى "المعارضة المسلحة".

في المقابل، نجح مشروع الإدارة الذاتية في تقديم نموذج مدني تعددي يحترم التنوع، ويضمن الأمن، ويدير المجتمعات المحلية بشفافية نسبية وسط بحر من الفوضى والانهيارات. 

ولذلك نراها اليوم المشروع السياسي والإداري الأنسب لسوريا كلها ومكوناتها المختلفة، ليس كحل انتقالي فحسب، بل كإطار دائم يفتح باب العدالة والمشاركة، ويغلق أبواب الاستبداد والهيمنة.

عندما نتحدث عن "هيئة تحرير الشام" أو ما يسمى "الجيش الوطني السوري"، فإننا لا نتحدث عن تنظيمات سورية محلية عفوية، بل عن تشكيلات عسكرية خارجية ذات دوافع أيديولوجية من جنسيات مختلفة، لم تكن لتصل إلى هذا الحجم لولا الدعم المباشر وغير المباشر من تركيا، عبر التسليح وتوفير الغطاء السياسي لها، واستخدامها كأدوات لفرض نفوذها على شمال غرب سوريا.

لم تكتفِ هذه الجماعات، ومنها فصيلا الحمزات والعم الشام، المعروفان بـ"ميليشيا السلاطين"، بتشويه صورة الثورة، بل ارتكبت فظائع بحق المدنيين في عفرين وكري سبي وسري كانيه. كما شاركت أو غضت الطرف عن المجازر الطائفية على طول الساحل السوري، وخاصةً بحق المكون العلوي، وسط صمت مقلق من الحكومة الانتقالية برئاسة أحمد الشرع، الذي لم يجرؤ بعد على إدانة هذه الجرائم أو المطالبة بمحاسبة مرتكبيها.

إن ذريعة العجز عن مواجهة هذه الجماعات بسبب الحماية التركية تُعدّ اعترافًا خطيرًا بالعجز واستسلامًا فعليًا للسيادة السورية لجهات خارجية ذات أجندات توسعية. والأسوأ من ذلك أن الحكومة الانتقالية لا تملك حتى رفاهية اللجوء إلى القوى الدولية، إذ ستُرفض أي محاولة من هذا القبيل لتواطؤها في التغطية على الإرهاب من خلال الصمت. علاوة على ذلك، ستُحبط تركيا هذه المحاولات فورًا بحجة "تهديد مصالحها".

في هذه المعادلة المميتة، لا خيار أمام أحمد الشرع وحكومته سوى التوجه إلى الشريك الوحيد الذي يمتلك مشروعًا واضحًا، وقوات منضبطة، ودعمًا دوليًا مستقرًا: قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية التي تمثلها. ليس فقط لقدرتها على حفظ الأمن، بل أيضًا لتمتعها بالشرعية الدولية، وخبرتها في الإدارة الذاتية، إلى جانب أحزاب الحراك الكردي الأخرى، تُمثل نموذجًا ديمقراطيًا محترمًا في نظر القوى الكبرى.

إن إشراك قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية في إدارة شؤون الدولة وتحمل المسؤوليات السياسية والأمنية لن يضعف الحكومة الانتقالية بل سيعطيها وجهاً ديمقراطياً ذا مصداقية في الخارج ويرفع عنها تهمة التحيز أو التواطؤ مع الجماعات المتطرفة.

إن قوات سوريا الديمقراطية، بعقيدتها اللاطائفية وخبرتها الميدانية في إدارة مناطق متنوعة، تمتلك الإمكانات والشرعية الدولية لتكون ركنًا أساسيًا في الحل، لا طرفًا هامشيًا فيه. إنها ليست مجرد خيار عسكري، بل ضرورة سياسية وأخلاقية تُتيح للحكومة الانتقالية فرصة تاريخية للظهور ككيان جاد ومسؤول، لا متواطئ أو عاجز.

هذه إحدى أولى وأهم الخطوات الجادة نحو بناء سوريا جديدة، تبدأ بتسليم المنطقة الساحلية لإدارة مدنية مسؤولة، تحت حماية قوات سوريا الديمقراطية. وينبغي أن يستمر هذا المسار بتحرير عفرين وكري سبي وسري كانيه من سيطرة الفصائل المدعومة من تركيا، لتأسيس شريط جغرافي ديمقراطي مترابط، يفضي إلى بناء وطني متكامل.

حينها فقط يمكن لسوريا أن تخرج من نفق الفوضى. حينها فقط يمكن كبح جماح تيار الجماعات التي تقتل باسم الطائفية وتذبح التعددية. بدون ذلك، ستبقى البلاد أسيرة بين فكي الاستبداد والقداسة، بين شبح الإرهاب وشبح الهيمنة، وسيصبح المشروع الوطني السوري مجرد وهم، يتناثر بين رماد الزمن ودماء الأبرياء.

في هذه المرحلة، لا يسعنا إلا الحديث عن نظام فيدرالي لامركزي، ليس كطموح كردي، بل كمخرج وطني شامل من الكارثة. فالفيدرالية اليوم ليست مجرد هيكل دستوري، بل هي ضمانة ضد انهيار الدولة، ودرع ضد الطائفية، وأداة لبناء شراكة حقيقية بين مكونات البلاد.

سوريا التي تنزف من أطرافها، وتُستنزف طاقتها بين قوى الاحتلال ومشاريع الإسلام السياسي، لا يمكن إنقاذها إلا بمشروع وطني شامل يضمن التمثيل العادل، ويمنع الإقصاء، ويضع حداً لسفك الدماء.

د. محمود عباس

Caricature

BENEFIT AGM approves 10%...

ads

Newsletter

Subscribe to our mailing list to get the new updates!