الوضع المظلم
الأربعاء ٢٣ / يوليو / ٢٠٢٥
Logo
  • العدالة السورية... لماذا تستحق القضية الكوردية معالجة خاصة..؟

  • مقدمة: الإنصاف لا يكون بالقياس الخاطئ
العدالة السورية... لماذا تستحق القضية الكوردية معالجة خاصة..؟
ماهين شيخاني

في النقاشات حول مستقبل سوريا، كثيرًا ما تُطرح مفاهيم “المساواة” و”الوحدة الوطنية” كعناوين نهائية لأي حل سياسي. لكن الحقيقة التي يتجاهلها كثيرون هي أن المساواة لا تعني التماثل، والعدالة لا تتحقق عبر تسوية كل القضايا على سطح واحد.
القضية الكوردية ليست مجرد قضية “أقلية”، ولا ينبغي التعامل معها كفصل إضافي في كتاب “الطوائف السورية”. إنها قضية شعب له جغرافيا واضحة، وله تاريخ طويل من الحرمان الممنهج، وله بنى سياسية وإدارية تعبّر عن هوية حقيقية. لذلك، فإن أي حلّ مستقبلي لسوريا لا يضع خصوصية الكورد في صلبه، هو ببساطة إقصاء مُغلّف بمصطلحات وطنية عامة.
أولًا: ما الذي يجعل القضية الكوردية مختلفة..؟.
1. الجغرافيا التي لا يمكن إنكارها
الكورد ليسوا مجموعة متناثرة في الأحياء أو الشتات، بل يشكّلون أغلبية ديموغرافية واضحة في مناطق كاملة، مثل  عفرين، كوباني ،الحسكة ،وقامشلو. هذه المناطق لم تُرسم برغبة كوردية، بل جُرّدت من امتدادها الطبيعي بفعل خرائط استعمارية مثل سايكس–بيكو، ثم جاءت الدولة السورية لتعزز التقطيع بمنع التعليم، والمواطنة، والتمثيل.
الكورد اليوم يُنتزعون من أرضهم باسم القانون، بعدما مزّقت الجغرافيا باسم الاتفاقيات الدولية.
2. قرن من التهميش المؤسسي.
منذ ما قبل الاستقلال، واجه الكورد سياسات ممنهجة هدفت إلى نزعهم من الحياة السياسية والثقافية:
1962: تم سحب الجنسية من أكثر من 300 ألف كوردي.
1970–1980: أُنتزعت مئات القرى الكوردية في مشاريع ما سُمّي بـ"الحزام العربي".
حتى 2011: اللغة الكوردية كانت تُعامل كمحظور أمني، لا لغة أهلية.كل ذلك ليس صدفة، بل هو تراكم من القمع السياسي البارد، الذي يحاول أن يُبقي الكورد كقوة صامتة.
3. هوية سياسية تتجاوز الطائفية.
على عكس الطوائف الأخرى، لا يطالب الكورد بموقع ديني أو طائفي، بل بحقوق قومية واضحة:
لديهم إدارة ذاتية في كوردستان - سوريا (روجآفا).
لديهم كيان فيدرالي في كوردستان - العراق (إقليم كوردستان).
لهم تمثيل سياسي خارجي، ومؤسسات مدنية، وحكومة مصغّرة.
هذه ليست "أحلام أقلية"، بل ملامح أمة حُرمت من الدولة، لا من الطقوس فقط.
4. اعتراف دولي ضمني بالخصوصية الكوردية
تقارير الأمم المتحدة، ومنظمات دولية، وثّقت الانتهاكات بحق الكورد بوصفها "جرائم ضد الإنسانية".
كذلك، هناك برامج إنمائية أوروبية مخصصة للمناطق ذات الغالبية الكوردية.
العالم يعترف، بينما الداخل السوري يرفض الاعتراف.
ثانيًا: المساواة الشكلية ظلم من نوع آخر.
1. تصنيف الكورد كـ"طائفة" هو جزء من الإقصاء.
لا النظام، ولا معظم أطراف المعارضة، قدّموا تصورًا حقيقيًا لحقوق الكورد.
النظام يتعامل معهم كملف أمني قابل للضغط.
والمعارضة تتحدث عن "حقوق الأقليات" وكأن الكورد مجرد طائفة دينية.
لكن الحقيقة أن الكورد شعب، لهم لغة وهوية وتاريخ ممتد، واعتبارهم مجرد "مكوّن" يقوّض أساس القضية.
2. الحلول الجاهزة لا تُرضي إلا مَن صاغها.
كل ما يُطرح تحت مسمّى "اللامركزية" حتى الآن، يخضع لهيمنة المركز، أو لميزان طائفي هشّ. الكورد يريدون شراكة حقيقية، لا إدارة محلية بإشراف الأجهزة الأمنية.
هم لا يطلبون دولة داخل دولة، بل دولة تعترف بوجودهم.
3. نماذج مرفوضة لأنها تتجاهل المعاناة.
النموذج الخلل ما يطرحه الكورد.
نظام الأقليات يعيد إنتاج الهيمنة المركزية فيدرالية جغرافية عادلة
تقاسم طائفي يُقصي الهويات القومية شراكة دستورية واضحة.
ثالثًا: ما هو الحل الواقعي والعادل..؟.
1. اعتراف دستوري واضح وصريح.
ينبغي أن يتضمّن الدستور الجديد موادًا تعترف بالقومية الكوردية بشكل مباشر:
سوريا دولة متعددة القوميات.
اللغة الكوردية لغة رسمية في مناطق الأغلبية الكوردية.
الحق في التعليم والثقافة والإدارة الذاتية وفق معايير دولية.
2. نموذج فدرالي قائم على الجغرافيا والسكان
لا مكان لفدرالية طائفية تُقسّم السوريين دينيًا. المطلوب هو أقاليم إدارية تمتلك صلاحيات تشريعية وتنفيذية، مثل:
إقليم روژآڤا .
إقليم الساحل .
إقليم الجنوب.
هذه ليست دعوة للتقسيم، بل صيغة لضمان الحقوق دون المساس بوحدة الدولة.
3. ضمانات دولية لا تراجع عنها.
إشراف أممي على التنفيذ.
دعم تنموي خاص للمناطق الكوردية التي تعرضت للتهميش.
عقوبات واضحة لأي محاولات للتغيير الديموغرافي أو الاعتقالات السياسية.
خاتمة: وحدة سوريا تمر عبر إنصاف الكورد
الكورد ليسوا ضيوفًا في سوريا، ولا طارئين على أرضٍ سكنوها منذ قرون.
إنكار هذه الحقيقة باسم "الوطنية" لا يخلق وحدة، بل يؤسس لصراع دائم.
من ينصف الكورد اليوم، لا يمنحهم امتيازًا، بل يضع حجر الأساس لبناء دولة تستحق اسمها.
رسالتان ختاميتان:
 للسوريين:
 إذا أردتم سوريا موحّدة، لا تنسوا أن جزءًا كبيرًا من وحدتكم يمر عبر احترام مَن جُرّب عليهم النسيان قسرًا.
للمجتمع الدولي:
 العدالة لا تُقاس بعدد الكلمات في الدستور، بل بقدرتها على تصحيح قرنٍ من التجاهل والإقصاء.

ليفانت: ماهين شيخاني

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!