Dark Mode
Tuesday, 16 September 2025
Logo
September Revolution: A Unique Uprising
Sobhi Salih

بعد أشهر قليلة من ثورة تموز/يوليو ١٩٥٨ في العراق، وجد العراقيون أنفسهم تائهين بين الولاءات والانتماءات، يعانون من صراعات مصطنعة وإرادات فاقدة للرؤية والكفاءة. وفي مشاهد عبثية، انحصرت عملية صنع القرار في يد فئة تؤمن بالهيمنة والإقصاء واحتكار السلطة، وتحويل مؤسسات الدولة إلى أدوات هيمنة وانتقام ومراكز نفوذ مغلقة. وتراجع لدى الكثيرين معنى الوطنية والمشاركة في حكومة لا تحترم شعبها.

الحزب الديمقراطي الكردستاني (حزب كردستان)، المنخرط في العملية السياسية العراقية والمتابع عن كثب للأوضاع، واجه هذه التطورات بهدوء وصراحة وقناعة راسخة. رفض السياسات الغامضة التي سحقت المجتمع، ووقف بحزم ضد محاولات تقويض قيم المواطنة الكاملة. دعا الحزب مرارًا وتكرارًا إلى الحوار والتفاهم على أساس التوافق ووحدة الوطن. لكن عندما لم تستجب الحياة لنداءاته، اعتمد على النهج الرؤيوي المتجذر في الأسس والاستراتيجيات المتينة للأب الروحي الكردي الخالد، مصطفى البارزاني. بصمود، اتبع سياسات واقعية ومنطقية، واضعًا أسس انتفاضة أيلول الثورية في جبال كردستان - انتفاضة شكّلت، من خلال رسالتها وثقلها الشعبي والسياسي وتوقيتها وسياقها وطريقة مواجهتها للأزمات التي أثارتها حكومة بغداد، منعطفًا تاريخيًا. حققت نجاحات على أصعدة متعددة، وأصبحت مقصدًا وملاذًا آمنًا للسياسيين العراقيين.

في بغداد، وفي ظل غياب الحلول العملية للقضايا العراقية، ساد الظلم والاستبداد، متمثلاً في شخصياتٍ غلب عليها الغرور، ورفضت النصيحة، وحكمت بأهوائها. كذبت ادعاءاتها، وعطلت الدستور والقانون، ومهدت الطريق للانقلابيين لحكم البلاد تحت مسميات مختلفة: سفك دماءٍ عارم، وقتل، وتفجيرات، وجرائم، وخطف، وإخفاء قسري، وتهجير، وتعذيب، وسجون سرية وعلنية، ومعاناة.

في كردستان، استمرت الثورة لسنوات، ونجحت في كسب اعتراف محلي ودولي، واعتراف إقليمي، وشرعية لمبادراتها الصادقة والواقعية. ففككت الحملات المغرضة ضدها، وأحبطت المؤامرات، وأقرّ الصديق والعدو على حد سواء بأن مسيرتها الثورية الثابتة غير قابلة للتفاوض ومحصنة ضد الابتزاز. وبُنيت العلاقات معها ضمن حدود القواعد والمعايير التي وضعها قائدها. ونتيجةً لذلك، لجأت جميع حكومات بغداد المتعاقبة إلى التفاوض معها.

في مارس/آذار 1970، وقّعت حكومة البعث اتفاقية مع قيادة ثورة سبتمبر. وعقب الإعلان عن الاتفاقية، بدا المشهد السياسي العراقي نابضًا بالحياة والأمل. إلا أن البعث، الذي لم يستطع التخلص من أوهامه القديمة، انغمس في أوهام جديدة. وخلال السنوات الأربع المخصصة لتطبيق الاتفاقية، عمل بلا كلل على احتكار السلطة، وتوسيع طموحاته، وترسيخ مكانته كلاعب مؤثر في تحديد الأجندات العراقية وقواعد اللعبة. انتهك بشكل صارخ بنود ومبادئ اتفاقية مارس، التي كانت الأساس السياسي لبناء الثقة بين العراقيين. وحاول اغتيال البارزاني الخالد، وزرع الفتنة، وشراء ضعاف النفوس، وإلهاء حزب كردستان بقضايا هامشية.

اليوم، ونحن نستذكر تلك الثورة الجليلة، تلك الثورة التي خاضت معارك حقيقية في كل الميادين والساحات، وواجهت الصعاب والعواصف وتداعياتها، وسطرت ملاحم خالدة في الدفاع عن الشعب والأرض، نستذكر، بحنين وجداني كبير وفريد، كل من ساندها وشارك فيها بإيمان وثبات واتزان وثبات. وثقوا بها في مرحلة حافلة بمحطات تاريخية غير مسبوقة. نترحم على أرواح شهدائنا الأبرار.

ونعلن: ثورة سبتمبر لا تشبه أي ثورة أخرى...

صباحي صالح