-
إصلاحي أو متشدد.. دمّرتم البلاد!: موجة غضب تجتاح المدن الإيرانية
تشهد إيران موجة احتجاجية جديدة ومتعددة الجبهات، حيث خرج المتقاعدون والفلاحون والمعلمون والممرضون والعمال وبيئيون وعائلات السجناء السياسيين إلى الشوارع في عشرات المدن، رافعين صوتاً واحداً: «كفى فساداً وإهمالاً وتدميراً للحياة». اللافت أن الشعار الأكثر تكراراً «إصلاحي أو أصولي.. اللعبة انتهت» يؤكد أن الغضب الشعبي تجاوز الخلافات السياسية التقليدية وصار موجهاً ضد المنظومة الحاكمة بأكملها.
في كرمانشاه، تجمّع مئات المتقاعدين أمام صندوق التقاعد وهم يرددون «ألمكم ألمنا.. يا شعب انضم إلينا!» و«إصلاحي أو متشدد.. دمّرتم البلاد!». يشتكي هؤلاء من تآكل قيمة معاشاتهم الزهيدة أصلاً، وتأخير مستحقاتهم لشهور، فيما ترفض الحكومة زيادة تتناسب مع التضخم الذي تجاوز 40%. المشهد هناك لم يكن مجرد تظاهرة، بل صرخة جيل بنى البلاد ثم تُرك ليواجه الفقر في شيخوخته.
في مدينة شهر كرد بمحافظة جهارمحال وبختياري، قطع فلاحون الطريق أمام دائرة الكهرباء بعد أن أوقفت السلطات مضخات المياه، فجفّت أراضيهم وهلكت محاصيلهم. «لا ماء ولا كهرباء ولا مسؤول يرد!»، قال أحدهم، متهماً الحكومة بشن «حرب» على الزراعة. وفي منطقة راسك، تجمع فلاحون آخرون للسبب نفسه، مؤكدين أن الإهمال بات يهدد الأمن الغذائي للبلاد بأسرها.
المعلمون المتعاقدون في راسك رفعوا لافتات «لن نعود إلى الفصول حتى ننال حقوقنا»، بعد أشهر من عدم دفع رواتبهم أو تأمينهم الصحي. المدارس تعاني أصلاً نقصاً حاداً في الكوادر، والاحتجاج حذّر من أن التعليم قد ينهار تماماً إذا استمر تجاهل مطالبهم.
في أراك، تجمع ممرضون وموظفو القطاع الصحي أمام جامعة العلوم الطبية يطالبون برواتب متأخرة ومكافآت لم تُدفع منذ سنوات الأزمة. «قدّمنا أرواحنا في كورونا والآن يعاملوننا كأصفار»، قال أحدهم، مشيراً إلى أن القطاع الصحي الذي يُفترض أنه خط دفاع المجتمع بات هو نفسه ضحية الإهمال.
جنوباً في كرمان، خرج فلاحو البيوت البلاستيكية يطالبون بوقود لم يصلهم منذ أشهر بسبب تأخر مشاريع الغاز. وفي كوت عبد الله، احتج عمال بناء بعد أن اقتطع مقاول جزءاً من أجورهم دون مبرر، في بلد يضطر فيه المواطن للعمل في وظيفتين أو ثلاث ليبقى على قيد الحياة.
في كرمانشاه أيضاً، عاد سكان مشروع «مهر» السكني للاحتجاج للمرة المئات منذ 16 عاماً، بعد أن دفعوا أموالهم ولم يحصلوا على شققهم. الشعار المكرر: «وعودكم كذب.. ونحن نعيش في العراء».
وفي كرج وطهران وعدة مدن، واصلت عائلات المحكومين بالإعامة وقفتهم الأسبوعية «لا للإعدام الثلاثاء» في أسبوعها الـ96، رافعين صور أبنائهم ومؤكدين أن الحملة لن تتوقف مهما زاد القمع.
في سهل موغان، احتشد فلاحون يطالبون بمستحقات ذرة متأخرة منذ عامين بعد أن فشل وزير الزراعة في الوفاء بوعده. وفي منجم «جي» للنحاس، نزل عمال لم يتقاضوا رواتبهم منذ ستة أشهر إلى الشارع، رغم ظروف عملهم الخطرة تحت الأرض.
حتى البيئة لم تسلم: في غلستان، تظاهر مواطنون أمام مصنع إسمنت يدمر غابات هيركانية المصنفة تراثاً عالمياً، متهمين السلطات بالتواطؤ مع المستثمرين على حساب آخر رئة خضراء في شمال البلاد.
ما يجمع هذه الاحتجاجات ليس فقط تعدد القطاعات، بل وحدة الرسالة: النظام فشل في إدارة كل شيء، من المعاشات إلى المياه، من التعليم إلى الصحة، من الأجور إلى البيئة. لم تعد المظاهرات تطالب بإصلاحات جزئية، بل أصبحت تعبيراً عن فقدان الثقة الكامل في قدرة الدولة على توفير الحد الأدنى من متطلبات الحياة.
في ظل انهيار قيمة الريال، وارتفاع الأسعار، وتفاقم البطالة، تحولت المدن الإيرانية إلى ساحات مواجهة يومية. والشعار الذي بدأ في كرمانشاه «إصلاحي أو متشدد.. دمّرتم البلاد» بات يتردد في كل مكان، معلناً أن الشعب لم يعد يفرّق بين جناحي السلطة، وأن صبر الملايين قد نفد. إيران اليوم ليست على شفا احتجاجات، بل في قلب موجة غضب شاملة قد تُغيّر شكل البلاد إذا لم تُسارع السلطات إلى استجابة حقيقية، وهو أمر يبدو بعيد المنال حتى الآن.
حسن محمودی: كاتب وباحث في الشأن الإيراني
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!

