-
المشهد السينمائي الكردي بين الكاريزما المتفردة والتحديات المرافقة

المشهد السينمائي الكردي بين الكاريزما المتفردة والتحديات المرافقة
الكاتبة ، زينه عبدي
أن نقوم بتوثيق وتسجيل تاريخنا وتراثنا الكردي وننهض بسينمانا الكردية التي تضع حضارة وعادات شعب بأكمله أمام الأعين في بقاع الأرض كلها وخاصة بالنسبة للشعوب التي لا تعرف الكثير عن الكرد وهويتهم، يعتبر أحد الركائز المستنبطة الجديرة للتنوير وتجسيداً للمبادئ والأخلاق التي يمكن اعتبارها قوة روحية ومعنوية ذات أبعاد مقنعة ومؤثرة للهوية والدولة الكردية، والواجب وضعها على عاتق كل كردي ليقدمها بأبهى صورها ولتترك بصمتها الخاصة بلغة سينمائية كردية عبر رموز ودلالات كما يستخدمها صانعو الأفلام السينمائية لإيصال رسائلهم من خلال طرح أفكار ومعالم ومفاهيم تعزز القيم الكردية قديماً وحديثاً رغم وضعنا الكردي المنقسم جغرافياً وتاريخياً وسياسياً.
سينمانا الكردية بمعالم غامضة
ورغم مرور أكثر من قرن من الزمن على حضور السينما على الساحة الفنية عموماً كفن سابع، بدءاً من السينما الصامتة مروراً بالسينما الجماهيرية، ومن سينما شارلي شابلن إلى عالم كلينت ايستورد في أفلام الكاوبوي مروراً بالسينما الهندية، وكذلك السينما المصرية مع الحرافيش إلى عتبة الواقعية في السينما العربية، إلا أن سينمانا الكردية في أجزائها الأربعة لم تكن وإلى الآن ذات المعالم الواضحة المتعارف عليها عالمياً رغم اشتغال العديد من السينمائيين الكرد القديرين بها وصرفت مبالغ مالية ضخمة على إنتاجها وحققت حصتها الربحية من شباك التذاكر نوعاً ما، وفي غرب كردستان على وجه التحديد لم نلاحظ لها انطلاقة جادة وحقيقية مقارنةً بأجزاء كردستان الأخرى رغم بعض الجهود التي تُبذَل الآن في محاولة منها تقديم السينما الكردية بأفضل صورة ممكنة خصوصاً أنها تمر بثورة تكنولوجية ورقمية هائلة والتي باتت المصداقية فيها من أندر ما يمكن الحصول عليه.
تكوين سينما كردية حقيقية وضمن المعايير المهنية المطلوبة، خاصةً أنها ذات معالم غامضة، وهي في مرحلة النشوء يتطلب دعماً عبر إشراك ومشاركة الفنانين الكرد من كافة أجزاء كردستان بالإضافة إلى دعم رسمي حكومي، كما يحتاج خلفية ثقافية فنية عابرة لكل المراحل التي مرت بها السينما كردياً وإقليمياً وعالمياً، علاوةً على ذلك فإنها تتطلب مستوى تقني بخبرات عالية لأن ذلك يساهم في إنتاج أفلام سينمائية ذات طابع وهوية كردية جديرة بالمشاهدة بإمكانها نقل قضية الكرد وتطلعاته إلى العالم دون قيود وبمطلق الحرية وبالتالي مضاعفة مواردها ما أمكن.
هنا تستوجب الوقفة على السبب الرئيسي للغموض الذي كان، ولايزال، مترتباً على السينما الكردية وعدم السماح لها النطق بلغتها الأم (الكردية) وهو القمع الذي كان يُمارَس(وإلى الأن في بعض الأجزاء الكردستانية) ضد الكرد من قبل بعض الأنظمة الحاكمة، الأمر الذي أبقى الإنتاج السينمائي الكردي ضعيفاً سيما في الغرب منها، إلا أن الحالة السينمائية هذه تغيرت حال حصول المخرج السينمائي الكردي "يلماز غونيه" على السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي عام1982م والتي باتت بمثابة شعاعاً تنار به الطريق السينمائي الكردي أمام الطامحين بخلق سينما كردية حقيقية تليق بقضية هذا الشعب ونضالاته المستمرة عبر الحقب الزمنية المتتالية.
في الهامش السوري... صدى الرئيس بارزاني يهمس للريح
امتداد وتمدد حبكة السينما الكردية بعد زه ريه( زاريه)
فيلم "زاريه" بعدسة المخرج الأرمني آمو بيك نزاريان الصامت بسحره الأبيض والأسود والذي أنتج عام 1926 دار قصته عن حياة كرد أرمينيا قبل ثورة أكتوبر عبر قصة العشق الميلودرامية بين الراعي سيدو والشابة زاريه، وقد فرق بينهما الآغا التركي تيمور بيك من خلال إرساله للجيش خلال الحرب العالمية الأولى (السفربرلك) وفي ظل ظروف سياسية غامضة، إلا أن عشقهما ينتصر في نهاية المطاف لتعود زاريه لحضن حبيبها، يُعتَبر أحد أيقونات السينما العالمية ورمزاً من رموز السينما الكردية رغم إمكاناته البسيطة ذات الإنتاج السوفييتي وبإخراج أرمني ولكنه تكلل بالنجاح المبهر، كما أنه وخلال عام 1932 م تم انتاج الفيلم الوثائقي عن حياة الكرد الإيزديين بتوقيع المخرج السينمائي الأرميني "آمو مارتيروسيان"، ومن بعده أُنتِج أول فيلم سينمائي كردي في إيران عام1934م تحت عنوان "ابنة اللوز"، وفي عام 1959م صدر عن السينما الروسية فيلم بعنوان "كرد أرمينيا السوفييتية" بالإضافة إلى الأفلام التي أنتجها تلفزيون جورجيا عام 1972م بعنوان "نحن أمميون" وآخر عام 1981م بعنوان "نحن الأكراد".
هذه الأفلام وغيرها الكثير (لم نرد على ذكرها) حيث القائمة تطول، كانت ولا تزال تشكل اللبنة الأساسية رغم غياب إنتاج كردي حقيقي بسبب الإطار السياسي للحالة الكردية، والتي كانت بين مد وجزر وتشرذم واضح يعيشه الكرد والذي أثر سلباً على تقدم وتطور سينماه الكردية، كما أن السينمائي يلماز غونيه والذي نعتبره الأب الروحي لسينمانا الكردية قدم ورغم حظر النظام التركي ل اللغة الكردية وببسالة بداية هامة للسينما الكردية خاصةً بعد إخراجه لفيلم "يول- الطريق" عام 1982م الفيلم الأول الناطق باللغة الكردية عن السينما الواقعية والذي كان قد كتبه حين سجنه آنذاك.
السينما الكردية كانت مستمرة ولا تزال، رغم الإمكانيات المتواضعة، واستطاعت تحليل واقعنا الكردي بلغتها البصرية والسمعية وكذلك اللونية وطرح جملة الإشكالات والحلول على حدٍّ سواء، تاركةً بذلك بصمةً مميزة ومختلفة في الأجزاء المقسِّمة لكردستان عبر العقود الماضية، فضلاً عن تميزها عالمياً رغم الظروف الجيوسياسية التي مرت وتمر بها جميع الأجزاء الكردستانية والتي أضحت السبب الرئيسي في عدم مواكبتها للسينما في مستويات تطورها وذروة تميزها كما البقية.
حقيقة ًالسينما الكردية تشهد بين الفينة والأخرى انطلاقةً جديدة لتترك بذلك بصمة مميزة على تلك الشاشة الكبيرة وحتى على مستوى المهرجانات العالمية، ولكن دون المستوى المطلوب والمتعارَف عليه عالمياً، إلا أنها تتعاطى حضوراً ملفتاً من خلال تناولها للقضايا الإنسانية التي تخص الكرد في ظل الانتشار التاريخي الكبير لهم في المنطقة، ورغم مرحلة الجمود التي مرت وتمر بها (على فترات) صناعة السينما كردياً.
هل من مشاهد للحياة لاحقاً عبر عيون السينما الكردية؟
فكرة احتساب الأفلام الكردية المنتجة ونسبها للدولة التي يقيم فيها المنتج أو المخرج ذو الأصول الكردية، تستوجب علينا التفكير خارج الصندوق وموازنة المعادلة التي تهضم حق الكرد في سينماه، وتحاول إبعاده عن إطاره الفني السينمائي الذي يثبت أصلية الهوية الكردية ثقافياً وقومياً، كما أن الافتقار للاختلاف والتنوع بالسيناريوهات المطروحة وكذلك الافتقار لاستراتيجيات ومنهجيات خاصة بالترويج والتسويق محلياً وإقليمياً ودولياً من أهم المعوقات التي تواجهها السينما الكردية حالياً، لذلك نحن بأمس الحاجة لطلب الدعم من المؤسسات الحكومية وهذا أمر موازٍ مع ما بدأت به السينما في العالم أجمع، وأيضاً من القطاعات الخاصة والاحتكاك مع كبرى شركات الإنتاج الدرامي والسينمائي، ووضع ميزانية خاصة لتحريك الواقع السينمائي الكردي والأعمال الدرامية الأخرى أيضاً وتقديمهم بأفضل صورة ممكنة، مع ضرورة تبني رؤية واضحة عن جسامة وفداحة سينمانا الكردية والعمل على تعزيز وعي الجمهور بها، وأيضاً تعريف العالم بتطلعات وواقع الشعب الكردي عبر إنشاء شركات متخصصة بالجانب السينمائي في المنطقة لتكون العين الرائدة لصناعة سينما كردية ذات حضور مميز لافت وحافل من خلال إبعادها عن الأدلجة، وتأمين التسويق للأفلام السينمائية المنتَجة لشرائها ولجذب الجماهير، إدارة مهنية في التنظيم النقابي وإنشاء دُور العرض مصحوبةً بالمخابر والاستوديوهات اللازمة لتنفيذ ما هو مطلوب فنياً وتقنياً للإنتاج السينمائي بالتعاون والتشبيك مع الهيئات الثقافية المحلية والإقليمية والدولية، وكذلك البحث عن قنوات توزيع بخبرات عالية وتكثيف الجهود حول عمليات الدبلجة.
تُعتَبر سينمانا الكردية وعبر صولاتها وجولاتها بوابة خلاقة ساحرة للتعريف بثقافتنا وتراثنا وهويتنا ولغتنا ومعاناتنا وموسيقانا ومآسينا، ورغم المعوقات والتحديات الآنفة الذكر لكنها قدمت من خلال شغفها وتوسُمها بالحقيقة التي كان لا بد من وضعها على تلك الشاشة السينمائية الكبيرة ما يمس ويلامس واقعنا ويحلله، صانعةً من حكاياتنا وقصصنا المتنوعة صوراً عابرة للعالم أجمع تحاكي واقعنا منذ عشرينيات القرن الماضي وحتى الآن، ونأمل في قادم الأيام أن تنهض سينمانا الكردية وننهض بها، محققةً بذلك حضوراً جماهيرياً عابراً للحدود يليق بما تستحقه.
.
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!