-
قراءة عربية في برنامج المواد العشر لمستقبل إيران

إن تعقيد المشهد السياسي في إيران ولاية الفقيه وتشابكاته تستدعيان قراءة ممحصة لخط سير المقاومة الإيرانية وتصاعدها المتنامي أولاً بأول.. إذ برزت بعد تول (الملالي) زمام الحكم في إيران سنة ١٩٧٩ العديد من تكتلات المعارضة السياسية التي أعلنت رفضها للنهج الذي اتبعه النظام الديني، ما أدى إلى مجابهتها بالقمع الوحشي غير القابل لأي نوع من أنواع الحوار المألوف، وبعد قيام الحرب الإيرانية العراقية طويلة الأمد نشطت العمليات المسلحة ضد السلطة الإيرانية؛ الأمر الذي أقلق النظام الفاشي وجعله يفكر بطريقة قمعية أشد وأقوى من السابق لا رحمة فيها ولا استرحام، واتجهت بنفس الوقت المعارضة إلى محاولات فاعلة لرص صفوفها والعمل على توحيدها ضمن بوتقة واحدة
موحدة في الخارج؛ وقد نجحت في ذلك بقيادة منظمة مجاهدي خلق التي لفتت الأنظار بتنظيم صفوفها حيث اتبعت في نهجها خيارات عسكرية وسياسية رفيعتا المستوى والسوية مما شجع على قيام حراك طلابي ومدني في عموم المدن الإيرانية الأمر الذي جعل سلطة الولي الفقيه تتهيب امتداداتهما إلى ما هو أبعد من ذلك، وهكذا أثبتت المقاومة الإيرانية بأنها لم تكن ضيفاً طارئاً على المشهد السياسي في إيران، فعملت على جبهات متعددة، وشاركت في كل الأنشطة التي تخدم هدفها الأساس وهو مقارعة السلطة الدينية بكافة السبل والوسائل لنيل حرسة طال تعطشها لها، ومما زاد من الاستياء الجماهيري من سلطته القمعية تنفيذ العقوبات الدولية على إيران التي زادت الطين بلة وشاركت في تدهور
الوضع المعيشي بشكل لافت.. كل ذلك أدى إلى تراص صفوف المقاومة، وتصاعد الاستياء الشعبي العارم مما ساهم في توسيع نطاق المقاومة، وقيامها بعمليات نوعية بطولية أقضت مضاجع النظام الديني الفاشي، وفي الوقت عينه بدأت المقاومة الإيرانية في حشد المزيد من الطاقات السياسية والدبلوماسية لنيل الدعم السياسي من برلمانات الدول وقادتها وقواها السياسية والمدنية، وقد أفلحت في ذلك ما ساعدها على استمرار المقارعة وتصعيدها بخطوات ثابتة، وبعد مضي عقود على تأجيج الكفاح ضد الاستبداد الديني، والاستقطاب الدولي الخارجي، إذ أبدت الكثير من الدول تعاطفها ودعمها لنصرة الشعب الإيراني في المحافل السياسية بعد تقديم السيدة مريم رجوي الرئيسة المنتخبة للمقاومة الإيرانية برنامجها للنقاط العشر الذي لقي ترحيباً دولياً، واستحساناً عالمياً لأنه يتماشى مع التطور الحضاري للدول المتقدمة وهو الذي قدم لأول مرة في ديسمبر ٢٠٠٦ خلال اجتماع في مجلس أوربا.
إن خطة السيدة رجوي تمثل جوهر مطالب الشعب الإيراني وإيران المستقبل، فهي تدعو لإقامة جمهورية تعددية تفصل بين الدين والسلطة، وتساوي بين الجنسين، كما تلغي عقوبة الإعدام، وتعمل على ترسيخ قيم السلام والتعايش المشترك، والقضاء على الاضطهاد المزدوج للأعراق والقوميات الإيرانية، كما تدعو إلى إيران خالية من الأسلحة النووية، وقد لقيت هذه الخطة ترحيباً واسعاً، واعترافاً داعماً من خلال جملة من القرارات الصادرة عن الكونكرس الأمريكي وبعض البرلمانات الأوربية، وأيضاً من قبل شخصيات سياسية لها وزنها الوازن، حيث تم اعتبار النقاط العشر خارطة طريق نحو إيران حرة متحررة من قيود القمع والاستبداد، ومما جاء في النقاط العشر: -
١- لا لولاية الفقيه، نعم لحكم الشعب في جمهورية تعددية بأصوات حرة للشعب.
٢- حرية التعبير وحرية الأحزاب وحرية التجمع والصحافة والفضاء السيبراني، وتفكيك قوات الحرس الثوري، وقوة القدس الإرهابية والباسيج، ووزارة المخابرات القمعية، وكذا مجلس الثورة الثقافية وجميع الدوريات والمؤسسات القمعية في المدن والقرى وفي المدارس والجامعات والدوائر والمصانع.
٣- ضمان الحريات والحقوق الفردية والاجتماعية وفقاً للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وحل أجهزة الرقابة وتفتيش المعتقدات ومقاضاة المسؤولين عن مجزرة السجناء السياسيين، وحظر التعذيب وإلغاء عقوبة الإعدام.
٤- الفصل بين الدين والسلطة، وحرية الأديان والمذاهب.
٥- المساواة الكاملة بين المرأة والرجل في الحقوق السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وإلغاء جميع أشكال التمييز، والحق في حرية اختيار الملبس والزواج والطلاق والتعليم والعمل وحظر استغلال المرأة تحت أي ذريعة كانت.
٦- استقلال السلطة القضائية بحيث يكون نظام القضاء مستقل وفقاً للمعايير الدولية القائمة على مبدأ البراءة والحق في الدفاع والمقاضاة والمحاكمة العلنية، وإلغاء قوانين نظام الملالي( الشرعية) وإلغاء ما يسمى بـ محاكم الثورة.
٧- الحكم الذاتي ورفع الاضطهاد المزدوج عن القوميات والإثنيات الإيرانية على غرار مشروع المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية.
٨- العدالة وتكافؤ الفرص في التوظيف والأعمال والتجارة والسوق الحر لجميع الإيرانيين، وإحقاق حقوق العمال والفلاحين والممرضين والممرضات والموظفين والتربويين والمتقاعدين.
٩- حماية وإحياء البيئة التي دمرت إبان حكم الملالي.
١٠- إيران غير نووية خالية من أسلحة الدمار الشامل، وتحقيق السلام والتعايش السلمي والتعاون الإقليمي والدولي.
هذا ما أكدت عليه النقاط العشر للسيدة مريم رجوي وقد حظيت بترحيب حار من قبل المجتمع السياسي الدولي لأنها جاءت ملبية لمطالب الشعب الإيراني الميال إلى السلام بعد حروب عبثية مقيتة سالت فيها الدماء مجانية على حساب شعب غلب على أمره، ودفع الثمن باهظاً كرمى لعيني حرية تاق لمعانقتها واحتضانها وممارستها قولاً وعملاً.
أما تأثير هذا البرنامج على الأوضاع في المنطقة العربية فيأتي في مقدمته الخلاص من منبع الفتنة الطائفية والتطرف والكراهية والحروب في المنطقة.. عندها تعود السيادة المفقودة للبلدان المحتلة وتنتهي أرضية ومسوغات الابتزاز والمساومة والتهديد القائمة في المنطقة.. عندها تعود القضية الفلسطينية إلى مساراتها الطبيعية ويعود الأمل باستعادة فلسطين بعد القضاء مشاريع الشعارات والخداع التي قام عليها نظام ولاية الفقيه.
د. مصطفى عبدالقادر/ أستاذ جامعي - ألمانيا
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!