الوضع المظلم
الإثنين ٢٨ / أبريل / ٢٠٢٥
Logo
وحدة التنوع أم شبح التجزئة؟
شادي عادل الخش 

في لحظة مصيرية من تاريخنا السوري، حيث تتصارع آثار الحرب والاستبداد مع آمال الخلاص الوطني، نجد أنفسنا أمام سؤال وجودي لا يخص مكونًا واحدًا، بل يعصف بنا جميعًا:

كيف نحمي سوريا، بكل قومياتها وأديانها وطوائفها وأعراقها، من الوقوع في فخ التجزئة والصراعات الأبدية؟

فالقضية ليست قضية العرب وحدهم، ولا الكرد وحدهم، ولا السريان ولا الآشوريين، ولا الأرمن، ولا التركمان، ولا الشركس، ولا الدروز، ولا العلويين، ولا المسيحيين، ولا المسلمين، ولا الإيزيديين…
إنها قضيتنا جميعًا.

قضية وطن يكاد يتمزق تحت وطأة المشاريع الجزئية والأحلام المجتزأة.
من هنا، فإن أي حديث عن العدالة والمواطنة، أي نقاش عن اللامركزية أو الحقوق القومية أو الثقافية، يجب أن يكون نقاشًا عامًا، وطنيًا، صادقًا، يعالج وجع كل السوريين، لا مشروع فئة ولا همّ جماعة.

في هذا السياق، تأتي "الرؤية الكردية المشتركة" الصادرة عن مؤتمر "وحدة الصف والموقف الكردي".
وثيقة تطرح العديد من المبادئ التي نرحب بها بحرارة:
بناء سوريا دولة ديمقراطية مدنية تعددية تقوم على المواطنة المتساوية؛ حماية الحريات الدينية والثقافية؛ الالتزام بالمواثيق الدولية؛ ترسيخ نظام حكم برلماني تعددي؛ اعتماد اللامركزية الإدارية؛ ضمان حقوق المرأة والطفل؛ استرجاع الآثار المنهوبة؛ تأمين عودة المهجرين إلى ديارهم؛ وصياغة دستور ديمقراطي جامع.

مبادئ تمثل حجر الأساس لأي مشروع وطني جديد يتطلع إلى الخلاص الحقيقي من مآسي الماضي.
غير أن القراءة المتأنية للوثيقة تكشف في طياتها بعض النقاط التي تستوجب وقفة صادقة ومسؤولة، حماية لوحدة سوريا وهويتها الوطنية الجامعة.

ومن هذه النقاط:

تستخدم الوثيقة مصطلح "روجآفا" (غرب كردستان) لتوصيف المناطق الكردية في شمال وشمال شرق سوريا.
مصطلح لم يكن موجودًا في الوثائق السورية أو حتى الكردية التقليدية قبل عام 2012.
إن استعمال هذا المفهوم الجغرافي السياسي الخاص يفتح الباب أمام حساسيات وطنية مشروعة، إذ يوحي برؤية منفصلة عن الإطار السوري الجامع.
نحتاج أن نكون واضحين:
لا مستقبل لسوريا إن استبدلنا الحدود الوطنية بحدود قومية جديدة.

الجزيرة السورية: 
الحسكة، القامشلي، رأس العين، تل أبيض، عين العرب…
كلها كانت، وما تزال، موطنًا لشعوب متعددة: عرب، كرد، سريان، آشوريون، أرمن، وغيرهم.
وقد شهدت الجزيرة موجات هجرة كردية كبيرة منذ عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين، خصوصًا بعد قمع ثورتي الشيخ سعيد بيران (1925) وآرارات (1927-1930) في تركيا، مما أضاف بعدًا جديدًا لهذا التنوع.
التاريخ لا ينسخ بالتمني.
وسوريا لم تكن يومًا خالية إلا من التنوع.
وكل محاولة لاختزال الجغرافيا أو التاريخ بهوية واحدة، ظلم مضاعف للجميع.

الإحصاء الاستثنائي لعام 1962:
الإحصاء الذي جرى في محافظة الحسكة عام 1962، في عهد حكومة خالد العظم، جاء نتيجة سعي الدولة لضبط أوضاع التسلل السكاني غير المنظم، لا كمؤامرة عنصرية ضد الكرد.

نعم، كانت نتائجه مؤلمة للعديد من العائلات الكردية، ويجب تصحيح هذا الظلم.
لكن التصحيح لا يعني قلب الحقائق ولا توظيف المظلومية لشرعنة مشاريع التقسيم.

تتحدث الوثيقة عن مشروع "الحزام العربي" الذي طُرح من قبل صلاح جديد في منتصف الستينيات.
صحيح أن نوايا المشروع كانت سياسية إلى حد بعيد، لكنه بقي مشروعًا نظريًا أكثر منه واقعًا ماديًا شاملًا.
ما نُفذ فعليًا كان إسكان العائلات العربية المتضررة من بناء سد الفرات في أراض عامة بالجزيرة، دون تهجير قسري جماعي للأكراد كما تروج بعض السرديات.
الإنصاف التاريخي يقتضي أن نروي القصة كاملة، دون اجتزاء ولا تضخيم.

التقسيم الإداري على أسس قومية: 
من أخطر ما تطرحه الوثيقة الكردية هو إعادة النظر بالتقسيمات الإدارية على أساس قومي.
أي فصل للمناطق السورية وفق خطوط إثنية أو طائفية هو بمثابة دعوة مفتوحة لتفتيت الدولة وتحويلها إلى فسيفساء صراع دائم.
لا مستقبل لسوريا إلا بتقسيم عادل إداري وتنموي يراعي الاحتياجات الحقيقية، لا القوميات والهويات.

الدستور: الضمان للجميع لا لفئة دون أخرى
إن تثبيت مبادئ فوق دستورية تخص مكونًا بعينه يضرب مبدأ المساواة في الصميم.
نحن نحتاج دستورًا وطنيًا جامعًا، يكفل لكل السوريين دون استثناء حقوقهم السياسية والثقافية والدينية والاجتماعية.

العدالة والمواطنة: العقد الوحيد الممكن
لن تحل قضايا الهوية القومية أو الثقافية إلا في إطار دولة مواطنة شاملة:
تعترف بتعدد مكوناتها - تضمن المساواة الكاملة - تبني نظام لا مركزية إدارية تنموية، لا إثنية- تقيم دولة القانون والحقوق لا دولة الهويات المغلقة.

دعوة إلى حوار لبناء عقد اجتماعي سوري جديد
إن اللحظة التاريخية التي نعيشها اليوم، بكل مخاطرها وآمالها، تفرض علينا أن نتحلى بالشجاعة الكاملة.
أن نعترف بآلام بعضنا البعض، ونواجه مخاوفنا سويًا، ونفتح حوارًا وطنيًا جامعًا، لا يفرضه منتصر، ولا تفرضه مظلومية، بل تفرضه إرادة بناء وطن واحد لكل أبنائه.
حوار يعيد تأسيس العقد الوطني السوري، على أسس العدالة، الحرية، الكرامة، والمواطنة المتساوية.

سوريا لن تُبنى إلا بجميع أبنائها،
وسوريا لن تبقى إلا إذا كانت لكل السوريين.

ليفانت: شادي عادل الخش 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!