الوضع المظلم
الأحد ٢٧ / يوليو / ٢٠٢٥
Logo
  • الكورد السريان هوية تتجذر لا تذوب الجزء الخامس

الكورد السريان هوية تتجذر لا تذوب الجزء الخامس
د. محمود عباس

سادسًا، لا يمكن بأي شكل من الأشكال اختزال المكون السرياني الكوردستاني في الجزيرة ضمن سردية قبائل زبيد أو طيء أو شيبان، فهذه القبائل، وإن وُجدت بالقرب من مناطق تواجد السريان، إلا أن السريان أنفسهم لم يكونوا يومًا تابعين لها، بل عاشوا في مدنهم وقراهم، ببنى مجتمعية ودينية خاصة بهم، أو في مجتمعات مشتركة مع الكورد المسلمين والإيزيديين، واحتفظوا بمؤسساتهم الكنسية والثقافية، حتى تحت أسوأ ظروف التهجير.


سابعًا، فيما يتعلق بالادعاء بأن تسمية "باعربايا" في الأدبيات السريانية تعني أرض العرب، فإنها في الحقيقة كانت تعني، وفق كثير من المؤرخين السريان، المناطق التي احتلها أو استقر فيها بعض من العرب لاحقًا، لكنها لم تكن تعني أبدًا أن سكانها الأصليين كانوا عربًا. بل ظلت المنطقة تحت هيمنة الكنائس السريانية، وبقيت اللغة السريانية لغة الأدب والصلاة والعلم، حتى بعد دخول الإسلام.
ثامنًا، إن الرواية التي يسوقها بعض أبناء القبائل عن "أصلهم السرياني" ليست إلا محاولة للتماهي مع التاريخ الروحي العريق للمنطقة، وهو أمر يمكن فهمه من منطلق إنساني، لكنه لا يسمح بتحويل التماهي العاطفي إلى قرصنة تاريخية، فحب التراث السرياني لا يعني أن صاحبه سرياني، تمامًا كما أن تبني بعض المفردات الكوردية في اللغة العربية لا يجعل ذلك العربي كوردًا.
وأخيرًا، إن هذا النوع من الخطاب، الذي يذيب الفروقات القومية تحت يافطة "التحالفات التاريخية" أو "أحلاف الدم"، يخدم الأجندات السلطوية التي طالما سعت إلى محو الهويات المغايرة باسم الوحدة، سواء أكانت وحدة عربية أو إسلامية أو حتى قومية مزيّفة، إن الدفاع عن أصالة المكون السرياني، بصفته قومية مستقلة، أو ذوي أصول كوردية، اعتنقوا المسيحية، مثلما اعتنقوا سابقا اليهودية، والإسلام، هو دفاع عن التنوع الحقيقي في سوريا، وضمانة ضد النمطية القومية التي أفرزت أنظمة الاستبداد والتهجير.
وفي الواقع المقال ومصادره، ينطوي على مجموعة من المزاعم المضلّلة والمفاهيم، لكونها تستند إلى روايات شفوية غير موثقة، وتهدف، دون مواربة، إلى إذابة الهوية الكوردية والتشويش على الانتماء القومي للسريان والمحلمية ضمن سردية عشائرية عربية تُعيد إنتاج الاستعمار الداخلي، هذه المرة بلغة “التكافل” والأخوة الزائفة”.
أولاً: من أين يستقي قرياقس رواياته؟ وأين المصادر؟
من اللافت أن عبد المسيح قرياقس، كما يقدمه النص، يبني سرديته على شهادات وجدانية، تأثرت بمسيرة انخراطه في حزب البعث، والمكتسبات التي حصل عليها من خلفها، لا على وثائق موثّقة أو دراسات أكاديمية، فلا نجد في حديثه إحالة إلى مصدر أرشيفي موثوق، أو إلى دراسات أنثروبولوجية أو تاريخية، بل يعتمد على مرويات نشرتها الأنظمة العروبية وكتاب حزب البعث، ومصطلحات منقولة شفهيًا، فهل يمكن تأسيس مفهوم قرابة قومية وعرقية ودينية على هذا النمط من الحنين العشائري؟ وهل يصح تحويل علاقات الجيرة أو المصاهرة إلى أدوات لإعادة تعريف شعوبٍ عريقة كالسريان أو الكورد المسيحيين؟ إنها اختزالية خطرة لا تنتمي إلى العلم أو التاريخ، بل إلى أجندة سياسية ناعمة تُراد لها أن تمرر عبر قنوات العاطفة.
ثانيًا: ما علاقة “الشيبانية” بالمحلمية؟ ولماذا هذا التغيير في هوية القبيلة؟
القول إن المحلمية، وهي مجموعة عريقة استقرت في مناطق طور عابدين وجبال كوردستان منذ قرون، قد تحولت إلى “قبيلة بني شيبان”، هو ادعاء لا سند له “شيبان” اسم لقبيلة عربية تعود إلى ربيعة، وهي مختلفة تمامًا عن المحلمية من حيث الأصل والمجال الجغرافي، وحتى من حيث اللغة الثقافية، فالمحلمية عاشوا في كنف الثقافة الكوردية، وداخل المجال الكوردستاني، وعرفوا بتداخلهم مع السريان والأرمن والإيزيديين، وإن تم “تعريب” شرائح منهم لاحقًا، فهذا كان في إطار سياسي قسري، ضمن مشروع “تأميم الهوية” الذي مارسه العثمانيون أولًا، ومن ثم الأنظمة القومية العربية.
ثم كيف نفهم أن شيخ القبيلة يُقدّم نفسه كشيباني بينما سكان المنطقة، تاريخيًا، لا يعرفون إلا اسم “المحلمية”؟ ولماذا هذا التهجير الاصطلاحي إن لم يكن جزءًا من مشروع “إعادة تأطير الجغرافيا”؟ إنها محاولة لإخراج المحلمية من سياقهم التاريخي الكوردستاني، وزجهم في هوية عربية لا تاريخ لها في المنطقة قبل الإسلام.

يتبع...
د. محمود عباس

 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!