الوضع المظلم
الجمعة ٠٦ / يونيو / ٢٠٢٥
Logo
السوريون وإمكانية تعلم السياسة
اسانة هنيدي / كاتب وباحث سوري

السوريون وإمكانية تعلم السياسة

أسامة هنيدي

 

في خاتمة كتابه المعنون البعث السوري يكتب الصحفي اللبناني حازم صاغية عبارة لافتة جدا
 "لقد حصد ذلك  النظام العاصفة بعد زرعه الريح معيدا بلاده ملعبا وباعثا الصراع على سوريا من جديد وفي أسوء الأشكال وأخطرها ولانه زرع الكثير من الريح يتوقع ان تأتي العاصفة قوية جدا معها يتعلم السوريون السياسة بشروط قاسية جدا" "
اللافت الأول في خاتمة كتاب صاغية الذي رصد فيه التجربة البعثية القميئة من النشوء حتى لحظة اندلاع الثورة السورية في 2011 هو مدى قوة هذه العاصفة والتي فتكت بسوريا بشرا وحجرا واقتصادا وأمنا أعادته فيها بلدا حطاما توج هذا الحطام هرب رأس النظام صبيحة الثامن من كانون الأول 2025
أما اللافت الثاني في كلام الصحفي العتيق والكاتب اللبناني المرموق هو الشروط القاسية جدا التي تحدث عنها  والتي سيتعلم بموجبها السوريون السياسة من جديد مع كل تلك العاصفة
فما هي اليوم تلك الشروط القاسية المضمرة في كلام حازم وهل بالإمكان تخفيف وطأة تلك القسوة على السوريين حتى يتعلموا السياسة بعد أن حرموا منها لعقود بفعل استحكام بطش الدولة الأمنية وتفريغها المجتمع السوري من أي خوض في الشأن العام حتى لا أقول السياسة.
ربما لم يخطر ببال حازم صاغية ذلك المشهد الدراماتيكي الذي أفاق عليه السوريون صبيحة هروب الأسد وبدء استلام هيئة تحرير الشام لمقاليد الوضع في سوريا الا ان الترتيبات الدولية ربما لا تستشير أحدا عندما تقرر وعلى ذلك ازدادت بعد حوالي أربعة أشهر من حكم الهيئة وما تلاه من حوار وطني هزيل وتعيينات لأجانب في صفوف الجيش وإصدار إعلان دستوري يجعل الفقه الإسلامي مصدرا رئيسا للتشريع ولا يلحظ الحقوق اللغوية للكرد السوريين ثم تشكيل حكومة مؤقتة أقول ازدادت قسوة تلك الشروط لمباشرة السياسة في سوريا وذلك لأسباب عدة لعل أهمها:


اولاً : تاريخ هيئة تحرير الشام وزعيمها ( الجولاني) أحمد الشرع في أيديولوجيا السلفية الجهادية بدءا من التجربة العراقية مرورا بتأسيس جبهة النصرة ثم فتح الشام وصولاً إلى هيئة تحرير الشام خانقا بل ونستطيع القول أن السلطة القائمة في دمشق سقطت سقوطا مدويا في امتحانها الأول بعد أشهر قليلة من تنصيبها دولياً في قصر الشعب في التعامل مع أحداث الساحل حين استهدف رجال الأمن العام من قبل فلول النظام إذ سمحت لقطعان الأجانب والجهاديين المتطرفين أن يرتكبوا مجازر رهيبة في الساحل السوري في مطلع آذار المنصرم مما عزز رأي الكثيرين بهذه السلطة بوصفها سلطة تقوم أيديولوجيتها على الولاء والبراء لا على شرعة القيم المدنية والحريات السياسية ومن ثم وبنفس تلك الأيديولوجيا تعتبر الديمقراطية والتي هي الشرط اللازم للعمل السياسي بدعة وهرطقة إذ الحاكمية عندها لله لا للشعب وتعاقده الاجتماعي.

وهاهي نفس السلطة تسقط في الامتحان الثاني حين تعجز أو تغض الطرف عما حدث في مدينة جرمانا وصحنايا من هجوم بالسلاح على المدنيين نتيجة لتسجيل صوتي نسب الى شخص قيل أنه درزي تطاول فيه على شخصية النبي محمد فكان هجوم القطعان الطائفية الغاضبة والواقعة تحت سطوة غضبها الطائفي نحو طلاب السويداء في مدينة حمص ومن ثم الدعوات لإبادة الدروز والتي صدرت عن بعض متظاهري حماة ودمشق ليلاً لتندلع بعدها الاشتباكات على أطراف مدينة جرمانا بين أهل المدينة وليذهب ضحيتها عدد من شبان المدينة الذين كانوا بمواجهة تلك القطعان الطائفية ولتمتد بعدها التوترات الى صحنايا والتي ما زالت مخيمة لغاية كتابة هذه السطور.

ولذلك تبدو مهمة تعلم السياسة عند السوريين تحت مظلة هذه السلطة غير ممكنة لأننا إزاء استبداد بلون جديد لم يتفوه بعد بكلمة الديمقراطية ولا يتوقع على المدى المنظور أن يتفوه بها كما أن كلمة الوطنية هي كلمة غير مستحبة كما يبدو لديهم أيضا فالانتماء الرئيسي هو للأمة والأمة هنا بالطبع هي الإسلامية التي يتخيلونها فقط.
ثانياً:عدم وجود تكتلات سياسية موثوقة سيما تلك الأجسام السياسية التي حاولت تمثيل الثورة السورية من المجلس الوطني الى الائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة والذي تحول الى منبر لجماعة الإخوان المسلمين وسقط من أعين معظم السوريين بفعل سوء الأداء والفساد الذي نخره حتى العظم ومن غير المتوقع على المدى المنظور ان يكون للهياكل الحزبية القديمة والتي تسيطر عليها كثير من النزعات الايديولوجية  أو الناشئة حديثا نظرا لعدم نضوج تجربتها الحزبية وانعدام قدرتها على الحشد والمناصرة أي دور سياسي حاسم  وفي ظل عدم وجود قانون جديد وعصري للأحزاب تبدو المهمة أمام الجميع أكثر صعوبة أمام السوريين للشروع في العمل السياسي وفق محددات جديدة وقابلة للحياة بعيدا عن الأيديولوجيات البائدة.

الوطن في الهاوية

 
ثالثأ:تشابك المصالح الاقليمية والدولية في البلد المنكوب وهذا ما أشار اليه صاغية بوضوح فكل طرف من الأطراف الاقليمية والدولية له حساباته الخاصة التي لا يعنيه في مآلاتها ان يباشر السوريون السياسة في بلدهم أم لا فاسرائيل بعد إجهازها على حزب الله وقياداته في لبنان وعلى حماس وقياداتها في قطاع غزة مع فاتورة الشهداء التي يدفعها الأبرياء من الشعب الفلسطيني تريد اسرائيل استكمال حزامها الأمني على الحدود السورية وذلك بدا واضحا عشية سقوط النظام عبر تدمير ما تبقى من القدرات العسكرية التي تركها ضباط الأسد الفارين نهبا للصواريخ الاسرائيلية
وروسيا الخائفة من فقدان الامتيازات التي حصلتها في سنوات الحرب تريد ضمان هذه الامتيازات
وتركيا الظهير الاساسي والداعم للسلطة الجديدة في دمشق تريد ضمان امنها المهدد على حدودها الجنوبية بفعل وجود حزب العمال الكردستاني ومشروع قسد وإدارتها الذاتية التي تعتبره تركيا( تهديدا) لأمنها القومي.
أما الولايات المتحدة فهي وتحت شعار مكافحة الارهاب فمن الحيوي لها وضمانا لعدم تمرد ايران اكثر بقاء قواتها قريبة من الجارين العراقي والسوري بتواجد وان كان رمزيا ولكنه يحمل في طياته رسائل تهديد للعصاة في المنطقة
وفي ظل تلك الحسابات المعقدة المتشابكة حينا والمتنافرة حينا يبقى تعلم السوريين للسياسة مجددا محكوما أيضا بهذه المصالح بحكم معادلة القوة سيما اذا وضعت كثير من القوى الناشئة أو التي في طور النشوء بيضها في سلة إحدى تلك الدول عندئذ سنكون أمام استقطابات جديدة يكون فيها الشأن العام ليس سوريا أو أقله ليس سوريا خالصا.
ويبقى الرهان في خضم كل ذلك على الوطنيين السوريين العابرين للطوائف والأديان وقدرتهم على اجتراح كيانات سياسية قادرة على الصبر على خطوات العودة الى السياسة والى المشروع الوطني الحقيقي الصرف المتحملة لأعباء المرحلة دون مساومات على قضايا الديمقراطية والحرية والعدالة كأساس لبناء دولة جديدة ، دون ذلك نحن في مهب الريح التي لن تأخذ معها فقط تلك (اللعنة التي كانت عنوانا لكوارث وطنية متتالية المسماة حزب البعث العربي الاشتراكي) كما يختم حازم صاغية بل ستأخذ هذا الكيان السوري برمته.

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!