الوضع المظلم
الإثنين ٣٠ / يونيو / ٢٠٢٥
Logo
رهانات حكومة الشرع بين الواقع والتحديات
علي الأمين السويد

اعتقد السوريون بأن الثامن من كانون الأول 2024 سيكون يوم الوحدة الوطنية ويوم انطلاق سوريا نحو تضميد الجراح، والتعافي الاقتصادي، وإعادة بناء سوريا على أسس وطنية وديمقراطية، وتحديث إداراتها لتتواءم مع إدارات دول العالم الحديثة في العصر الحالي.

إلا أنه، وللأسف، بقيت أحلام السوريين أكبر بكثير من الواقع المعاش، بل زادت بعض المخاوف الشعبية حيال مستقبل سوريا، وصار المواطن السوري قلقًا حتى من شبح عودة النظام السابق بشكل من الأشكال إلى الحكم، بالرغم من أن هذا القلق لا يعدو كونه أضغاث أحلام.

وبعد مضي أكثر من مئتي يوم على هروب الأسد وسقوط نظامه، فما زالت مناطق مثل شرقي الفرات أو ما يعرف بمناطق الإدارة الذاتية، والبادية، والسويداء خارج سلطة الحكومة الانتقالية في دمشق.

فمنطقة البادية خارجة عن السيطرة الأمنية الكاملة، حيث تنشط فيها خلايا تنظيم داعش وتقوم بأعمال عنف متفرقة، على الرغم من محاولات جيش سوريا الحرة احتوائها والتعامل معها.

أما الإدارة الذاتية ومحافظة السويداء، فقد أعربتا عن رغبتهما في مناقشة الإعلان الدستوري الذي صدر عن قيادة ردع العدوان، وتم بموجبه تسمية السيد أحمد الشرع رئيسًا انتقاليًا للجمهورية السورية.

وتعترض الإدارة الذاتية والقيادة الروحية للطائفة الدرزية على عدة بنود في الإعلان الدستوري، مثل اعتبار أنه يتجاوز صيغ الإعلانات الدستورية التقليدية، وغياب مبدأ الديمقراطية بشكل واضح، وتركيز السلطات التنفيذية في يد الرئيس الانتقالي، بالإضافة إلى الغموض في بعض المصطلحات والمفاهيم، ومدة المرحلة الانتقالية مبالغ فيها كثيرا. 
وتطالب الإدارة الذاتية باعتماد نظام اللامركزية، وترى ضرورة انضمام قوات سوريا الديمقراطية إلى الجيش السوري ككتلة واحدة ضمن الجيش. 

وبالرغم من اللقاءات التي جمعت ممثلي الإدارة الذاتية وقادة المجتمع في السويداء مع ممثلي الحكومة الانتقالية والرئيس الانتقالي، والحديث المتكرر عن نتائج إيجابية، إلا أن الواقع لم يشهد حتى الآن تغيّرات ملموسة على الأرض، ولم تصدر عن الحكومة تصريحات رسمية توضح مجريات هذه اللقاءات.

وبسبب غياب التوضيح الرسمي، واستمرار الجمود السياسي، وتأخر الاعتراف الدولي الفعلي بالحكومة السورية الجديدة، أصبح من حق المتابعين للشأن السوري التساؤل عن أسباب تباطؤ التقدم في استثمار لحظة ما بعد إسقاط النظام السابق.


ولمحاولة فهم ما يجري يمكن تشريح الحالة كالتالي:

أولًا – وضعت الحكومة الانتقالية إعلانًا دستوريًا تعتبره أساسًا لبناء الدولة الجديدة، وترى أنه لا حاجة لتعديله في المرحلة الحالية.
ثانيًا – تطالب الإدارة الذاتية كما أهالي محافظة السويداء بإعادة النظر في بعض بنود هذا الإعلان، بما يحقق تمثيلًا أوسع وتوافقًا وطنيًا.
ومع أن الاختلاف قابل للحل، وتكمن معالجته في خطوات إصلاحية مرنة، كإجراء تعديلات توافقية على الإعلان الدستوري، فإن مثل هذه المبادرات ستسهم في تعزيز ثقة المجتمع بالحكومة الانتقالية دون المساس بهيبتها أو صلاحياتها، بل على العكس، من شأنها أن ترفع من شعبيتها ومشروعيتها.
غير أن الحكومة تتبع نهجًا قائمًا على التريث، ما يجعل بعض الأصوات تبدي تخوفات من أن هذا التوجه قد يؤدي إلى نمط حكم مركزي مفرط أو مغلق، بدلاً من النمط التشاركي الجامع.
ويبدو أن لدى الحكومة الانتقالية تصورات إستراتيجية تؤمن بأنها كفيلة بتحقيق التوافق الوطني دون اللجوء إلى تعديل الإعلان الدستوري في الوقت الراهن.

رهان الحكومة فيما يخص السويداء:

تفيد بعض التحليلات بأن لدى الحكومة تصورات معينة حيال موقف أهالي السويداء من الإعلان الدستوري، مبنية على قراءات داخلية وخارجية، من ضمنها العلاقة غير المباشرة بين الدروز في المنطقة وإسرائيل، التي سبق لها أن عبّرت عن رفضها لانتشار أي قوات عسكرية سورية جنوب دمشق. 
فالحكومة على ما يبدو وبسبب الحملة التشويهية ضد اهالي السويداء الدروز والمسكوت عنها من قبل الحكومة، فإن الحكومة ذاتها تتبنى فرضية تقول بأن الدروز انفصاليون مدعومون من قبل اسرائيل، وعدم قبولهم بسلطة الدولة الجديدة، ومحاولاتهم فرض شروطهم الثورية نابع من استقوائهم بإسرائيل. وخصوصا ان اسرائيل ذاتها صرحت لأكثر من مرة بعدم قبولها بأي مضايقات للدروز، ورفضها لانتشار الجيش السوري الجديد اعتبارا من جنوب دمشق. 


وفي هذا السياق، تشير مصادر متفرقة إلى أن الحكومة السورية الانتقالية تُجري تواصلاً مع الجانب الإسرائيلي في إطار جهود لتطبيع العلاقات، برعاية أمريكية مباشرة من الرئيس دونالد ترمب، تمهيدًا للانضمام إلى مسار اتفاقات السلام الإبراهيمي.
ويُفترض، بحسب هذا التصور، أن تطبيع العلاقات سيُفضي إلى إعادة تشكيل الواقع في الجنوب، بما في ذلك العلاقة مع السويداء، استنادًا إلى تغيّرات إقليمية محتملة. وعليه، فإن الادارة السورية الجديدة تنتظر استجابة اسرائيل لتوقيع معاهدة السلام معها الذي سيؤدي بالضرورة لإسقاط الدعم الاسرائيلي عن الدروز، فتأتي السويداء الى دمشق دون طلبات أو شروط.  
ومع ذلك، فإن الكثير من الأصوات ترى أن الربط بين موقف السويداء الداخلي والدعم الإسرائيلي المزعوم هو افتراض مبالغ فيه، لا تدعمه الأدلة التاريخية ولا الوقائع الميدانية، خاصة وأن السويداء مرّت بمراحل حرجة لم تشهد فيها أي تدخل مباشر أو دعم من هذا النوع.
ففي عام 2015 قامت جبهة النصرة أنذاك بارتكاب مجزرة بحق دروز محافظة ادلب في قرية قلب لوزة راح ضحيتها أكثر من 17 مواطنا شهيدا على يد الارهابي سفينة التونسي وجماعته، وتمت مصادرة الكثير من أراضي الدروز دون ان تتدخل اسرائيل، وربما اسرائيل لا تعلم بوجود دروز في محافظة ادلب. 
وفي عام 2017 قامت داعش بالتعاون مع نظام المجرم الفار بشار الأسد بالهجوم على أطراف محافظة السويداء وذبح مواطنين سوريين آمنين في بيوتهم دون ان يرف جفن اسرائيل. فلماذا ستخاف اسرائيل على سلامة الدروز اليوم، ولماذا سيؤمن الدروز بدعم اسرائيل المزعوم لهم؟ 
فماذا تغير حتى تصبح إسرائيل فجأة الام الحنون للدروز الذين يرفضون هذه الامومة جملة وتفصيلا، وقد أعلنوا ذلك مرارا وتكرارا. 

رهان الحكومة فيما يخص الإدارة الذاتية:

تعوّل الحكومة الانتقالية على علاقاتها الدولية، وخاصة مع الرئيس ترمب وبدعم من شركاء إقليميين، في إحداث تغيّرات في موقف الإدارة الذاتية، بما يؤدي إلى تلاشيها، أو انخراطها الكامل وغير مشروط ضمن مؤسسات الدولة.
وترى بعض الأوساط المقربة من الحكومة أن توقيع اتفاق سلام مع إسرائيل والانخراط في التفاهمات الإقليمية، قد يساهم في إعادة صياغة الموقف الدولي من سوريا، وربما يوقف الدعم السياسي والعسكري للإدارة الذاتية.

مع ذلك، فإن الواقع الإقليمي والدولي أكثر تعقيدًا، فالتحالف الداعم للإدارة الذاتية لا يقتصر على الولايات المتحدة، بل يشمل أطرافًا أخرى مثل فرنسا ودول أوروبية، وقد تكون مستعدة لمواصلة الدعم أو ملء أي فراغ محتمل.
ولذلك، فإن الرهان على تغير المواقف الدولية وحده لا يكفي لمعالجة الملف الداخلي، ولا بد من استيعاب المطالب الوطنية المشروعة للأطراف المختلفة عبر آليات دستورية مرنة وشاملة.

ما هو الحل الأمثل لتوحيد سوريا؟

على الطرف الذي يتقدم لقيادة البلاد بعد مرحلة عسيرة أن يتحمل مسؤولية بناء الثقة، وقيادة الحوار الوطني الشامل، والانفتاح على مختلف المكوّنات السورية.
ومن المبادرات الممكنة، قيام رئاسة الجمهورية الانتقالية بدعوة ممثلين عن كافة المكوّنات السياسية والاجتماعية السورية لعقد مؤتمر وطني تأسيسي، يشارك فيه مفكرون وقانونيون من العرب، والكرد، والشركس، والأرمن، وغيرهم، يختارهم مجتمعهم دون أي تدخل رسمي.
ويتم في هذا المؤتمر مناقشة الإعلان الدستوري وتعديله بصورة توافقية، مع الالتزام بالمبادئ التالية:

1. سوريا دولة واحدة موحدة أرضًا وشعبًا.
2. يُترك تقرير شكل نظام الحكم، واسم سوريا للبرلمان المنتخب بعد المرحلة الانتقالية.
3. تُدمج كافة القوات المسلحة في جيش وطني موحد، مع ضمان تمثيل عادل لجميع الأطياف.
4. تُعتبر جميع اللغات المحكية في سوريا من قبل المواطنين السوريين لغات وطنية، مع اعتماد اللغة العربية كلغة رسمية.
5. تُحدد المرحلة الانتقالية بثلاث سنوات تحت قيادة السيد أحمد الشرع.

أخيرًا، بناء الدولة الحديثة لا يتحقق بالإقصاء أو القهر، ولا بالاحتماء بالخارج، بل بالحوار، والانفتاح، والشراكة الوطنية الواسعة.
نتمنى من كافة القوى الوطنية السورية، ومن عقلاء هذا الشعب العظيم، أن يواصلوا العمل على ترسيخ مشروع وطني جامع، يستند إلى قيم المواطنة، ويتجاوز الانقسامات والطروحات الأيديولوجية المتشنجة.

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!