الوضع المظلم
الثلاثاء ١٦ / سبتمبر / ٢٠٢٥
Logo
مواطن سوري يسأل أحمد الشرع
شادي عادل الخش 

السيد أحمد الشرع، شاهدتُ مقابلتك الأخيرة كاملة. قلتَ إن الأمور تمضي على خير ما يرام وأننا أمام اقتصاد يتعافى، وحدود تهدأ، وعلاقاتٌ "متوازنة"، وعدالةٌ في الطريق. اسمح لي أن أسألك مباشرةً كمواطن سوري يحق له أن يسأل بأي تفويض تتحدث باسم السوريين جميعاً، وأين الدليل الذي يراه الناس في بيوتهم وشوارعهم وعلى حدودهم وفي محاكمهم؟

قلتَ إن الاستثمار هو الحل، وإن البلد لا يريد أن يعيش على المساعدات، وتحدّثتَ عن «مئات» بل «آلاف» خطوط الإنتاج، وعن "صندوق تنمية" يطبّب جراح الواقع.

سؤال بسيط .. أين القوائم؟ من هي الشركات؟ ما حجم رأس المال؟ كم فرصة عمل خُلقت فعلاً وأين؟ من يدير الصندوق؟ أين عقوده وتقاريره وتدقيقه؟ لماذا لا تُنشر هذه البيانات للناس شهرياً إذا كانت من "إنجازات" تُفخَر؟

ولماذا، إن كان الاستثمار فعّالاً كما تقول، لماذا تبقى الكهرباء ساعات قليلة والماء متقطّعاً والمدارس تحت الضغط؟ والقطاع الصحي يعاني، هل الاستثمار شعار أم أرقام قابلة للمحاسبة؟

قلتَ إن هناك "اتفاقاً أمنياً" يُعيد روح 1974 ويضمن تهدئة الجنوب، وإن سوريا "لن تكون منصّة للهجوم على إسرائيل".

سؤالي .. أين مسوّدة هذا الاتفاق؟ أين ملحقه التقني وما يتضمنه من خرائط مناطق الفصل، قيود السلاح، قنوات الإنذار الفوري، آليات التحقق، جدول عودة قوات الأندوف؟

كيف تَطلب من الناس تصديق "التهدئة" بينما الغارات مستمرة وتتكرّر؟ أهو سلامٌ على الشاشة أم التزامٌ مُلزِمٌ على الأرض يُقلّص الخطر فعلياً؟

وإذا كانت السماء تُدار من خارج دمشق، فأي سيادةٍ بقيت لنُفاوِض بها، وبأي أدوات قياس سنعرف أن التهدئة ليست مجرّد هدنةٍ من طرفٍ واحد؟

قلتَ إننا "فتحنا صفحة جديدة" مع موسكو، وإن العلاقة تُدار «برزانة». هل هذه الصفحة الجديدة تتضمن اعترافاً علنياً بالأدوار والأخطاء التي وثّقتها تقارير أممية وحقوقية خلال السنوات الماضية؟ هل فيها مسارٌ واضحٌ للعدالة أو تعويضٌ للمتضرّرين، هل فيها تسليم للمطلوبين المحميين لديهم وعلى رأسهم بشار الأسد؟

أم أنها مقايضة نفوذ مقابل اعتراف، وقواعدٌ وامتيازاتٌ تُثبَّت بأسماءٍ ولغاتٍ جديدة؟

ما الذي تغيّر جوهرياً في علاقة القوة، وما نصّ هذه التفاهمات الذي يحقّ للسوريين الاطلاع عليه؟ لماذا تُدار أهم ملفات السيادة في غرفٍ مغلقة وتُقدّم لهم كعناوين عامة؟

في العدالة تحديداً، قلتَ إن هناك "لجاناً" وإنّ ما جرى في الساحل والوسط الغربي والسويداء "أخطاء جماعية".

من أمر؟ من نفّذ؟ ما هي سلسلة القيادة؟ أين نتائج التحقيقات المعلنة بالأسماء؟ أين الإحالات إلى القضاء المدني المستقل؟ أين الاعتذار وجبر الضرر وضمانات عدم التكرار؟

هل تُبنى الثقة بعبارةٍ عامة أم بخطواتٍ ملموسةٍ تُداوي الجرح وتعيد الحق إلى نصابه؟

كيف تقنع الضحايا وذويهم بأن العدالة "قادمة" إذا كان كل ما لديهم حتى اللحظة توصيفات وتطمينات من دون قرائن تنفيذ؟

قلتَ إن الاتفاق مع "قسد" يسير لكنه "متباطئ" وبسقفٍ حتى نهاية العام. ما الذي اتُّفق عليه بالضبط؟ من يضبط الأمن المحلي؟ أين ستذهب الإيرادات؟ من يعين القضاة؟ ما وضع الحكم المحلي والإدارة والخدمة؟ ما الضمانات التركية والأميركية؟

لماذا لا تُنشر ورقة تنفيذ علنية بتوقيع الأطراف وجدول زمني وقياسات نجاح وفشل؟

وكيف يمكن أن نطلب من الناس الثقة بينما لا توجد وثيقة واحدة تقول لهم ماذا يتغيّر في قريتهم وناحيتهم ومحكمتهم؟

في يوم المقابلة نفسه التقيتَ قائد القيادة المركزية الأميركية. هل هذه قناة أمنية لملفات داعش والمحتجزين أم اعترافٌ سياسي تُقدّمه للرأي العام على أنه "تحسّن سريع في العلاقات"؟

ما الحدود الفاصلة بين تنسيقٍ أمنيٍّ عملي وبين استخدام هذا التنسيق كبديل عن الشرعية الداخلية؟

إن كانت الرسالة "نحن منفتحون على العالم"، فلماذا لا تكون الرسالة الأولى «نحن منفتحون على مجتمعنا»

مضمونها شفافية في الاقتصاد، عدالة وشفافية في المحاسبة على الجرائم، وحرياتٌ تُصان بالقانون لا بالوعود؟

تقول "لن نتنازل عن ذرة تراب". ما معنى هذه الجملة إذا كان سقف التفاوض يحدده الفاعلون على الحدود وفي السماء؟ هل التنازل عن أدوات السيادة "الدفاع والقرار والشفافية " أقل خطراً من التنازل عن الأرض؟

بأي حقّ تُوقّع تفاهمات طويلة الأمد تمسّ مستقبل البلد من دون برلمان منتخب ولا رقابة مستقلة ولا عقد اجتماعي مُعلن؟ أليس التفويض شرطاً قبل التوقيع، لا بعده؟

دعني أضع أمامك أسئلة قياس، بوصفها "أخباراً مطلوبة" لا "اتهامات":

هل ستنشر نصاً أو ملحقاً تقنياً لاتفاق الجنوب مع اسرائيل يوضّح خرائط الفصل وآليات المراقبة؟

هل ستهبط وتيرة وعمق الضربات الاسرائيلية بشكلٍ قابل للقياس؟

هل ستصدر نتائج تحقيقات علنية بأسماء ومسؤوليات وقرارات في مجازر الساحل والسويداء؟

هل سنرى كشفاً شهرياً شفافاً لعمل "صندوق التنمية" وعقوده ومَنَافِساته وتدقيقه؟

هل ستصدر وثيقة تنفيذ واضحة لمسار الشمال الشرقي بتواقيع وضمانات وجداول زمنية؟

هل ستُفتح أبواب القضاء فعلاً لا قولًا، فيرى الناس أحكاماً وقرارات لا عبارات؟

هل سيتم اصدار قانون لتشكيل الأحزاب والهيئات المدنية؟

أنت تطلب من السوريين الثقة والصبر. هل تمنحهم بالمقابل ما يجعل الثقة ممكنة مثلاً أرقاماً تُفحَص، وثائق تُقرأ، عدالة تُرى، وخطة تُقاس؟ هل نراك تُحيل ملفاً واحداً كبيراً إلى قضاءٍ مستقل، وتقبل بنتيجته مهما كانت؟

هل ستضع حدوداً زمنية لدورك التنفيذي المؤقت، أم سيبقى «المؤقت» عنواناً دائماً؟

إذا كنتَ "قبطاناً" كما تُحبّ الصورة، فأين الخريطة؟ ما الميناء؟ ما الطريق؟ ما المخاطر؟ من الطاقم؟ ما عدّة السلامة؟ وأين دفتر الرحلة الذي يراجعه الركاب كل أسبوع؟

إذا كان كل ذلك موجوداً فلماذا لا نراه؟ وإذا لم يكن موجوداً، فبأي منطق يُطلب من الناس الركوب في سفينةٍ لا يعرفون وجهتها ولا يعرفون من يحدد مسارها؟

أعرف أنّ البلد يحتاج إلى تهدئةٍ على الحدود واستثمارٍ في الداخل وتعاونٍ خارجي.

لكنّي أعرف أيضاً أنّ هذه الكلمات لا تصبح واقعاً إلا حين يكون صاحب القرار مستعداً لأن يضع نصوص الاتفاق على الطاولة، وأن يفتح الاقتصاد على المساءلة، وأن يعترف بالخطأ قبل أن يطلب التفويض. هل ستفعل ذلك؟

أم سنبقى أمام لقاءاتٍ تلفزيونية تُطمئن وتشرح وتُؤجّل، بينما الواقع على الأرض يردّ بأرقامٍ ووقائع لا تلتفت إلى الخطاب؟

أسئلتي هدفها وضع معيارٍ بسيط يبدأ من إنجازٌ يُقاس، وعدالةٌ تُنفَّذ، وسيادةٌ تُمارَس.

إن استطعتَ أن تقدّم هذا المعيار، فستتحدّث النتائج عن نفسها ولن تحتاج إلى طمأنة.

وإن لم تستطع، فبأي حقٍّ تُدار صفقاتٌ على سيادة سوريا ومقدّراتها باسم السوريين ومن غير تفويضهم؟

ليفانت: شادي عادل الخش

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!