الوضع المظلم
السبت ٢٠ / ديسمبر / ٢٠٢٥
Logo
  • هل تحتاج سوريا إلى وزارة الإعلام خلال المرحلة الانتقالية؟

هل تحتاج سوريا إلى وزارة الإعلام خلال المرحلة الانتقالية؟
وزارة الإعلام

    

حبيب شحادة - نور الخليل

 

بعد سقوط النظام السوري السابق في ديسمبر 2024 وتشكيل الحكومة المؤقتة، ومن ثم الانتقالية الحالية عاش الإعلام السوري تحولاً جذرياً، لكن هذا التحول لم يكن عميقاً بما يسمح بتبني سرديات مختلفة عما تراه الحكومة الانتقالية وأجهزتها.

ظهر ذلك في محاولات الإعلام الحكومي والخاص الموالي للحكومة الانتقالية الترويج لرواية السلطة كحقيقة واحدة حيال ما حدث في مجازر آذار/مارس الفائت في الساحل، وكذلك في أحداث السويداء في تموز/يوليو الفائت، وكذلك تشويه مفاهيم عدة منها اللامركزية والفيدرالية على أنها تخدم الانفصال وتقسيم البلاد، بينما الحقيقة غير ذلك. إضافةً إلى محاولات السيطرة على الرأي العام عبر الترويج لسردية السلطة بعيداً عن الحقيقة من قبل منصات متعددة.

ويُتهم الإعلام السوري باستمرار الرقابة والتمييز خصوصاً ضد الموظفين والصحفيين الذين كانوا يعملون في مؤسسات إعلامية حكومية سواء لناحية الفرص والأجور، ما يعكس هشاشة المرحلة الانتقالية التي لم تنجح بعد في بناء إعلام وطني يعزز الثقة العامة بعد ما يقارب العام على سقوط النظام السوري السابق.

وفي وقتٍ اتجهت أغلب دول العالم الحديث لإلغاء وزارة الإعلام واستبدالها بهيئات وطنية بعد التأكد من أن دورها الوحيد تقييد حرية الصحافة، يبقى السؤال: هل فعلاً وجود وزارة إعلام خلال المراحل الانتقالية ضروري؟

الإعلام السوري الانتقالي

يعرّف روبرت دال وهو عالم اجتماع أمريكي، الإعلام الانتقالي، بأنه: "آلية التحول المرتبطة بالانتقال من وضع إعلامي جامد إلى ديناميكي متحرك يواكب التغيير، ويساير الانتقال الديمقراطي ضمن ضوابط وتشريعات قانونية معيارية، لا يوجد نموذج وحيد فريد يقاس عليه الانتقال الديمقراطي"، وفق ما كتب الدكتور عربي المصري في مقال له بمجلة الصحافة بعنوان: "عن أصول الانتقال الإعلامي في سوريا".

ويصف الدكتور عربي المصري أستاذ في كلية الإعلام - جامعة دمشق، الإعلام الانتقالي وفق التجربة السورية: بأنه "نظام خليط، تحكمه قوانين القوة السياسية، ورقابة الصحفي الذاتية، على أن الإعلام في مراحل التغيير يتطلب مدة زمنية محددة، يعاد فيها بناؤه الهرمي من الأعلى إلى الأسفل أو العكس، ومن ثَم تحدد طبيعة الانتقال هل هو ناعم، أو متدرّج، أو مرحليّ التفكيك، أو الهدم الكلي".

ويتفق الكاتب والباحث جابر بكر مع المصري، ويقول في حديثه معنا: "دور وزارة الإعلام في المرحلة الانتقالية يجب أن يكون محدد بفترة زمنية ومن ثم تلغى أو تستبدل بهيئة أخرى حتى نصل لمكان لا نستخدم به جهة تشرف على وسائل الإعلام وإنما تصبح تلك الوسائل تشرف على نفسها وتنظم أمورها وارتباطها بالحكومة عبر القانون وليس بوزير إعلام".

ويعتقد بكر، أن وزارة الإعلام يجب ألا تكون موجودة، ولكن استثناءً ضمن المرحلة الانتقالية هناك حاجة لوجود جهة منظمة تعمل كضابط إيقاع وتهندس العمل الإعلامي في البلاد.

ويضيف أن القوانين قبل سقوط النظام السابق كانت تعمل على أساس أن الإعلام ترويجي للسلطة ولهذا كانت الوزارة موجودة للتحكم بالإعلام والمنشورات وحتى دور النشر التي تحصل على موافقة وزارة الإعلام، وهذا ما زال موجود لليوم وفق بكر، الذي قال: بإنّ هذه مؤشرات على أن "وزارة الإعلام الحالية تحكمية كوزارة سلطة وكوزارة استبدادية".

التغيير لا ينتظر!

يؤكد بكر بأنّ إبقاء الوزارة لفترة قصيرة منطقي خلال المرحلة الانتقالية، لكن ليس بهدف التحكم والاستبداد بل لإعادة التنظيم والهيكلة. على أن الإعلام في مراحل التغيير وفق بكر يتطلب أن يتغير، قائلاً" التغيير لا ينتظر".

وأضاف، بأنّ من أهم مهام الإعلام في مرحلة التغيير تسليط الضوء على مروحة الخيارات المتنوعة وليس على السلطة أو الأصوات المعارضة لها.

لذلك يجب على الإعلام أن يكون رافعة للتغيير الاجتماعي والديمقراطي وعدم حصر المجتمع بخيارين أو طرفين، كما قال بكر.

ويختم بكر حديثه بأنّ وزارة الإعلام تقيد العمل الصحفي بشكل ارتباطي، ويتساءل لماذا نبقي على هذا النمط إذا كان الهدف العمل الصحفي؟ ولماذا الموافقات المسبقة على عمل الصحفي الفردي؟

أما على المستوى المؤسساتي فعمل الوزارة، وفق بكر، تنظيمي، لكن على أي قانون طالما القوانين لم تتغير وليس هناك مواعيد لتغييرها وكيف سيجري ذلك التغيير؟

أما طالب قاضي أمين وهو رئيس المجلس الوطني للإعلام في سوريا (جرى حله) فيعتقد في حديثه معنا أن قانون الإعلام الحالي ما زال ساري المفعول، ويعد "قانون جيد"، ويتضمن قضايا جيدة للصحفيين بما فيها الحماية ومنح التراخيص بدون مشاكل.

لكن تطبيقه كان غير مقبول للنظام السابق، الذي لم يرخص أية وسيلة إعلام تلفزيونية أو إذاعية بعد صدور القانون.

والإعلام اليوم وفق أمين، يجب معالجته ضمن هيئة وطنية/مؤسسة عامة أو أي مسمى آخر لتنظم العمل الإعلامي في ظل المرحلة الانتقالية شرط ألا تسيطر تلك الهيئة عليه وتفرض رأيها الأحادي.

تقدم شكلي

احتلت سوريا في عام 2025 المرتبة الأخيرة عربياً في مؤشر حرية الصحافة الذي يُنشر سنوياً بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، والمرتبة 177 عالمياً من أصل 180 دولة. لكنها تقدمت عن العام الفائت 2024 مركزين، إذ كانت تحتل المرتبة 179 عالمياً. على أن مؤشر حرية الصحافة بُنيى على معطيات العامين 2024 و2025.

ووثَّقت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" منذ آذار/مارس 2011 مقتل 715 من العاملين في الحقل الإعلامي، ما يشير إلى أن الصحافة في زمن النظام السوري السابق كانت تسير باتجاه سردية إحادية تأطيرية تمجد النظام وتدعي محاربة "الإهارب". فضلاً عن الرقابة الشديدة على مختلف وسائل الإعلام التي كانت تعمل في مناطق النظام السابق ما جعل الإعلام السوري في ذيل قوائم مؤشرات حرية الصحافة.

وبين تخبط الإعلام في مرحلة ما بعد الأسد وضرورة تنظيمه يشعر العديد من الصحفيين بـ "خيبة أمل كبيرة"، من تحولات المشهد الإعلامي السوري الذي يتسم بالسير باتجاه واحد وبرواية واحدة تخدم سردية السلطة الانتقالية التي تروج للحرية والانفتاح الإعلامي وتضحي بالحقيقة والتعددية.

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!