الوضع المظلم
الخميس ٠٤ / ديسمبر / ٢٠٢٥
Logo
  • ضرب مصادر الطاقة في كوردستان: حين يتحول الظلام إلى أداة صراع سياسي

ضرب مصادر الطاقة في كوردستان: حين يتحول الظلام إلى أداة صراع سياسي
د. جوتيار تمر

د. جوتيار تمر

لم يعد انقطاع التيار الكهربائي في إقليم كوردستان مجرد خلل خدماتي يمكن عزوه إلى الضغط على الشبكات أو التقلبات التقنية الموسمية؛ فالأحداث الأخيرة أظهرت نمطا متصاعدا من الهجمات والاستهدافات المباشرة لمصادر الطاقة ومنشآتها من قبل  ابناء الظلام؛ اعداء النور ، الأمر الذي ينقل المشكلة من نطاقها الخدمي إلى دائرة الصراع السياسي والأمني.

تظهر طبيعة العمليات التي تستهدف محطات الطاقة أن الأمر ليس حادثا عابرا، بل جزء من استراتيجية تهدف إلى الضغط على الإقليم عبر ضرب أكثر المرافق ارتباطا بحياة السكان؛ فمصادر الطاقة ليست مجرد بنى تحتية، بل شريان اقتصادي يتيح استمرار الخدمات الطبية والصناعية والإدارية؛ وبالتالي فإن تعطيلها يخلق شللا واسعا ينعكس فورا على مستوى الاستقرار الداخلي.

تستخدم هذه الهجمات كأداة حرب نفسية، إذ تتحول ساعات الظلام إلى رسالة مقصودة تهدف إلى إثارة الإحباط وإضعاف الثقة بقدرة المؤسسات على حماية الخدمات الأساسية؛ وينطوي هذا الأسلوب على محاولة واضحة لخلق بيئة من التذمر الشعبي، تمهيدا لتقويض شرعية الحكم الشبه المستقل في الإقليم وإظهار مؤسساته بمظهر العاجز.

كما يتجاوز تأثير انقطاع الكهرباء كأنموذج البعد النفسي ليصل إلى الجانب الاقتصادي؛ فهشاشة الطاقة تعد بيئة مثالية لعرقلة الاستثمارات ولإضعاف الشركات المحلية، ما يؤدي إلى إبطاء النمو وتقليص فرص العمل؛ ويخدم هذا الوضع القوى التي تسعى إلى إبقاء كوردستان في نطاق التبعية ومنعها من بناء اقتصاد مستقر مستقل.

ورغم هذا الضغط، يبرز مشهد آخر على الأرض؛ فرق الصيانة التي تعيد إصلاح الخطوط المتضررة في أوقات قياسية، والسكان الذين يرفضون أن يتحول الظلام إلى واقع دائم؛ وهي مؤشرات تكشف أن إصرار المجتمع الكوردستاني على الاستمرار يمثل نقطة توازن مضادة لأهداف تلك الهجمات.

إن قراءة هذا المشهد كصراع بين إرادة تعطيل وإرادة حياة لا يعني الانجرار إلى خطاب عاطفي، بل هو توصيف لواقع يستخدم فيه مشروع الطاقة كورقة سياسية؛ وما لم يتم تحييد ملف الكهرباء عن التجاذبات، وتعزيز منظومة الحماية الخاصة بالبنى التحتية، فإن هذا النوع من الاستهداف سيظل جزءا من معادلة الضغط على الإقليم.

في النهاية، يثبت تعامل المجتمع والمؤسسات في كوردستان مع هذه الأزمة أن الظلام ليس قدرا ثابتا، بل مرحلة في معركة أوسع تتقاطع فيها الحسابات السياسية مع متطلبات الحياة اليومية؛ وبين هذا وذاك، تبقى إرادة الصمود أقوى من محاولات إغراق المنطقة في عتمة مفتعلة؛ فكوردستان لن تغرق في الظلام مهما حاول ابناء الظلام فرض ايديولوجيتهم المظلمة.

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!