الوضع المظلم
الخميس ٣٠ / أكتوبر / ٢٠٢٥
Logo
  • مؤتمر الأقليات في الشرق الأوسط: الضرورات، التحديات، والنتائج المتوخاة

مؤتمر الأقليات في الشرق الأوسط: الضرورات، التحديات، والنتائج المتوخاة
رضوان باديني

شهدت مدينة تل أبيب مؤخرًا انعقاد مؤتمر بعنوان “مؤتمر الأقليات في الشرق الأوسط”، بدعوة من الإعلامي الإسرائيلي إيدي كوهين، وبمشاركة ممثلين عن طوائف وجماعات مختلفة من المنطقة. ورغم الجدل الذي أثاره هذا اللقاء من حيث التوقيت والمكان والجهة الداعية، إلا أن موضوعه يسلّط الضوء على قضية عميقة ومزمنة في المنطقة: حقوق الأقليات، وضرورة توحيد صوتها في مواجهة سياسات الإقصاء والتمييز المستمرة منذ عقود.

أولاً: الضرورات الموضوعية لتوحيد موقف الأقليات
تعيش الأقليات في الشرق الأوسط، من الكرد والأمازيغ* والدروز والمسيحيين والآشوريين والشيعة والعلويين والإيزيديين.. وغيرهم، ضمن فضاء سياسي تحكمه الأنظمة المركزية التي غالبًا ما تعامل الهويات المتنوعة كتهديد لوحدة الدولة، لا كثراء حضاري وثقافي. هذه الذهنية أدّت إلى تراكم التهميش السياسي، والتمييز القانوني، والحرمان الاقتصادي والثقافي.

من هنا، تبرز الحاجة إلى توحيد موقف الأقليات على مستوى إقليمي، من أجل:
1. تشكيل قوة ضغط جماعية تُلزم الحكومات العربية والإقليمية بإجراء إصلاحات دستورية تضمن المساواة في الحقوق والتمثيل.
2. حماية التنوع الثقافي واللغوي من محاولات الطمس والتذويب القومي أو الديني.
3. إقامة شبكات تضامن عابرة للحدود بين الأقليات، لتبادل الخبرات ومواجهة التحديات المشتركة.
4. نقل الخطاب من الهامش إلى المركز عبر وسائل الإعلام والمنصات الدولية، لإبراز المظلومية التاريخية بشكل متوازن ومؤسس.
توحيد الموقف لا يعني إنشاء تحالف ضد الأغلبية، بل تأسيس عقد اجتماعي جديد قائم على العدالة والمواطنة المتساوية، بعيدًا عن منطق الانتقام أو الاستقواء بالخارج.

ثانيًا: نقاط الضعف في مؤتمر تل أبيب
رغم أهمية الفكرة العامة التي تناولها المؤتمر، إلا أن عدة نقاط ضعف بنيوية أضعفت مصداقيته وجدواه:
1. المكان والجهة المنظمة: انعقاد المؤتمر في تل أبيب، برعاية إسرائيلية غير مباشرة، جعل منه مادة للاتهام السياسي بدل أن يكون منبرًا إنسانيًا حقوقيًا. فقد استُخدم كأداة لتوظيف قضية الأقليات ضمن الصراع العربي–الإسرائيلي.
2. غياب التمثيل المتوازن: لم تشارك فيه شخصيات مرموقة تمثل فعليًا الأقليات في بلدانها، ما أفقده العمق والشرعية الاجتماعية.
3. الخطاب المتشظي: لم يظهر المؤتمر رؤية مشتركة أو ميثاقًا جامعًا، بل بدت المداخلات فردية ومتناقضة أحيانًا، الأمر الذي يضعف وحدة الخطاب.
4. غياب المرجعية الحقوقية: التركيز على البعد السياسي والإعلامي دون تأصيل قانوني دولي (استنادًا إلى مواثيق الأمم المتحدة واتفاقيات حماية الأقليات) أضعف الطرح أمام المؤسسات الدولية.
5. سوء التوقيت والسياق الإقليمي: في ظل تصاعد النزاعات والحساسيات الطائفية، بدا المؤتمر وكأنه يصب الزيت على النار، بدل أن يطرح مقاربة تصالحية حقوقية.

ثالثًا: كيفية تجاوز هذه الثغرات
لكي تتحول فكرة “توحيد موقف الأقليات” إلى مشروع فعّال ومستدام، لا بد من اتباع خطوات عملية واضحة:
1. عقد مؤتمر بديل مستقل في دولة محايدة أو تحت مظلة أممية، بمشاركة ممثلين حقيقيين عن الأقليات ومنظمات حقوقية دولية.
2. صياغة ميثاق إقليمي لحقوق الأقليات يستند إلى الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، ويتضمن آليات متابعة ومساءلة.
3. إنشاء منصة إعلامية مشتركة ناطقة بعدة لغات، لنقل أصوات الأقليات بعيدًا عن التوظيف السياسي.
4. التركيز على القواسم المشتركة كالمواطنة، وحقوق التعليم، والتمثيل السياسي، والحفاظ على اللغات والثقافات المحلية.
5. الانفتاح على الأغلبية المعتدلة بدل الانعزال، لضمان بناء شراكات قائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.

وفي الختام نقول: إنّ قضايا الأقليات ليست شأنًا فئويًا أو طائفيًا، بل هي جوهر الإصلاح السياسي والاجتماعي في الشرق الأوسط. فالمجتمعات التي لا تعترف بتنوعها تظل أسيرة الصراعات والهشاشة.
من هنا، فإنّ توحيد موقف الأقليات يجب أن ينطلق من رؤية حقوقية وإنسانية جامعة، لا من منابر ذات طابع سياسي ضيق، لأنّ الهدف الأسمى هو العدالة والمساواة، لا الاصطفاف أو الاستقواء.
______
ان كلمة الأقلية لا تنطبق بدقة على وضع الكرد والأمازيغ الذين ما زالوا يشكلون الأغلبية العددية الساحقة في جغرافيتهما القومية.

د. رضوان باديني

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!