الوضع المظلم
السبت ١٣ / سبتمبر / ٢٠٢٥
Logo
ما الذي تبقّى من وحدة الصف والموقف؟!
رضوان باديني

السؤال الأبرز الذي يواجه الكرد في سوريا اليوم هو: ما مدى الأمل المتبقي في ردم هوة التشتت والتبعثر السياسي؟ وما العمل المطلوب لتعزيز وحدة الصف والموقف؟
إن الخروج من حالة التبعثر العميق التي تعاني منها الحركة السياسية الكردية، وترشيد التنافس بين قطبيها الرئيسيين ـــ حزب الاتحاد الديمقراطي والإدارة الذاتية وحلفاؤهما من جهة، وأحزاب المجلس الوطني الكردي من جهة أخرى ـــ يتطلب جهدًا إسعافيًا واسعًا، لا من الطرفين فقط، بل كذلك من الجماهير ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات المستقلة.
ومع أن الخلاف بين الجانبين ما يزال قائمًا، خصوصًا حول إدارة الموقف وتشكيل الوفد المفاوض مع الإدارة المؤقتة في دمشق بقيادة أحمد الشرع، فضلًا عن الأطروحات المطروحة للحل، فإن مخرجات مؤتمر قامشلو التاريخي (26 نيسان/أبريل 2025)، الذي رسم أسس الموقف ووحدة الصف الكردي السياسي، تبدو اليوم على حافة الانهيار ولم يُعمل بها كما يقتضي الأمر.
وعليه نتساءل:
ما جدوى أمل الكرد في سوريا بالقضاء على التشتت السياسي وتفعيل الحوار المرتقب؟
من الواضح أن الكرد في سوريا يمرّون بمرحلة هي من أعقد مراحل تاريخهم السياسي المعاصر، إذ يطغى على المشهد الانقسام الحاد والتنافس المحموم بين الطرفين: فمن جهة، تمثل حركة الاتحاد الديمقراطي والإدارة الذاتية وحلفاؤهما القوة الأكثر حضورًا على الأرض سياسيًا وعسكريًا، ومن جهة أخرى تقف أحزاب المجلس الوطني الكردي، التي انضوت سابقًا في إطار المعارضة السورية، وتحظى بدعم إقليمي ودولي متفاوت.
هذا الانقسام يتجاوز البنية التنظيمية والخطاب السياسي، ليطال جوهر التعاطي مع القضايا الوطنية السورية، وتحديد صيغة التفاوض مع دمشق بقيادة أحمد الشرع، وما يُطرح من رؤى للحل السياسي والمرحلة الانتقالية. وهنا تعود بنا الذاكرة إلى مخرجات مؤتمر قامشلو، التي توضع اليوم مجددًا على المحك.
لقد كان مؤتمر قامشلو (26 نيسان/أبريل 2025) محطة مفصلية، إذ نجحت القوى الكردية لأول مرة في صياغة وثيقة شبه توافقية لأسس التمثيل السياسي والمطالب الكردية. واعتُبر المؤتمر خطوة تاريخية نحو توحيد الصف، أو على الأقل تأسيس أرضية مشتركة تُبنى عليها أي عملية تفاوضية لاحقة. لكن سرعان ما أضعفت التدخلات الإقليمية والخلافات الداخلية مخرجاته، حتى باتت قاب قوسين من الانهيار.
ومع ذلك، يبقى الأمل قائمًا ــ وإن بدا ضعيفًا ــ إذا ما أُحسن استثماره من خلال:
- تجديد الاعتراف المتبادل بين الأطراف كافة، وإدراك كل طرف أن الآخر يمتلك شرعية سياسية أو جماهيرية لا يمكن إنكارها. فالإقصاء المتبادل يعني انتحارًا جماعيًا.
- حماية المكتسبات الكردية مهما كان حجمها، باعتبارها ثمرة عقود من النضال والتضحيات، وعدم التفريط بها تحت ضغط الحسابات الضيقة أو الولاءات الإقليمية.
- فتح قنوات موازية للحوار، بحيث لا تُختزل العملية السياسية في اللقاءات الرسمية، بل يكون للمجتمع المدني والشخصيات المستقلة والفعاليات الثقافية والاجتماعية دور الوسيط والضاغط باتجاه الوحدة.
- صياغة رؤية كردية مشتركة لمستقبل سوريا، منسجمة مع الحل السوري العام، وقائمة على مبادئ العدالة الانتقالية، الديمقراطية، واللامركزية، بما يمنح الطرح الكردي قبولًا وفاعلية أكبر.
لكن، ما مسؤولية الجماهير والمجتمع المدني في هذا السياق؟
الحقيقة أن الجماهير الكردية ومنظمات المجتمع المدني والناشطين المستقلين يمتلكون أدوات ضغط معنوية وإعلامية لا تقل أهمية عن أدوات الأحزاب. فالتظاهرات الرمزية، حملات التوعية، البيانات المشتركة، وفتح مساحات للنقاش الداخلي، كلها وسائل قادرة على خلق بيئة ضاغطة على القيادات الحزبية كي تتخلى عن منطق “احتكار التمثيل” لصالح “الشراكة”.
والمطلوب اليوم ليس وحدة شكلية أو بيانات عابرة، بل صيغة تعاون عملية ومستدامة، تقوم على:
- آلية تنسيق دائمة بين المجلس الوطني الكردي والإدارة الذاتية.
- إشراك شخصيات مستقلة في صياغة خطاب موحد تجاه دمشق والمعارضة السورية والمجتمع الدولي.
- تعزيز الشفافية داخل الحركات السياسية لطمأنة القاعدة الشعبية.
- تحييد الملفات الداخلية عن التجاذبات الإقليمية، التي غالبًا ما تُحوِّل الخلافات الطبيعية إلى صراعات مستعصية.
وأخيرًا، رغم كل التباينات، يبقى الأمل قائمًا في إعادة بناء الثقة الداخلية الكردية، خاصة إذا أدركت الأطراف أن الفرصة التاريخية التي لاحت في مؤتمر قامشلو قد لا تتكرر، وأن الفشل في استثمارها لن يكون خسارة للحركات السياسية وحدها، بل نكسة جماعية للشعب الكردي في سوريا. إن الحوار الجاد والمبادرات المدنية الداعمة هما السبيل الوحيد للحفاظ على وحدة الموقف وإزالة العقبات أمام حل داخلي كردي–كردي، يسبق أي تفاهم مع دمشق أو المجتمع الدولي.

د. رضوان باديني

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!