-
انزياحات الجغرافية السياسية في الشرق الأوسط

تَحْدُث انزياحات لليابسة عند وقوع الزلازل في الطبيعة و كذلك بسبب تغيرات المناخ و بالنسبة للمد والجزر في المحيطات والبحار ، أما ما يحدث في الشرق الأوسط وتحديداً في شرق البحر المتوسط من ترتيبات ورسم حدود سياسية بالقوة ، يأتي كنتاج لفشل الدولة القومية المركزية ، القائمة على العنصرية ، بعد تصدع الدكتاتويات وإنهيارها في كل من سوريا والعراق ، التي خلَّفت دماراً بنيوياً هائلاً يشمل الدولة و نظام الحكم والمجتمعات ، لهذا يأتي استخدام المصطلحات والمفاهيم الموروثة من نظام الاسد من قبل السلطة الإنتقالية في دمشق في ذات السياق الذي يكرِّس إنقساماً شاقولياً بين القوميات المختلفة و الطوائف و المذاهب المتعددة في سوريا .
كما هي العادة عندما يحدث تحول سياسي ، لا بد أن يتبعه إرهاب و مآسي . لهذا فإن سلسلة المتغيرات مترابطة على طرفي الصراع ، بين أنصار الحرية و بين أركان الاستبداد .
فالجغرافية السياسية تتمدد ، إضطراداً عكسياً للحدود الدولية منذ سقوط السوفييت و حرب الخليج الأولى (1989-1991)، فعلى مستوى دول الإقليم ، ايران وتركيا تتمددان ، سواء بالاجتياح والنفوذ و بإنتهاك القانون الدولي ، في ( العراق - سوريا - لبنان - غزة - اليمن - إقليم كوردستان العراق الفيدرالي ) ، لهذا فإن مبررات الأمن الاقليمي و اتفاقات تلك الدول ، بما فيها إسرائيل ، لم تعد لها وجود على الأرض و لا في الأجواء ولم تعد لخطوط التماس والمناطق المحرّمة العازلة بين ضفتي النزاع ذلك الإعتبار وما حصل من اشتباك عن بُعد بين ايران ومحورها ( المقاوم) وبين إسرائيل سيكون له تبعات ودراسات مستقبليه في الحروب الحديثة ، في الوقت الذي انتصرت فيه دولة إسرائيل في أربع جبهات ، على أربع دول ، بينما اعلام الطرف الآخر لم يعد يقنع حتى مؤيديه بالإنتصارات الوهمية الدعائية التي تهدف إلى إسكات الداخل وتحميل المعارضين لسياساتهم ، تُهم العمالة و التواطوء .
سبقت لتركيا أن نشأت نقاط عسكرية بتفاهمات روسية ، على اعتبار لديها فائض من القوات في المنطقة وتمكنت من اجتياح بعض مناطق الشمال السوري و فرض ثقافتها لكنها لم تنجح ، ايران تمكنت في استمالاتها الطائفية مع العلويين والشيعة والحوثيين العرب لكنها لم تفلح ، أما إسرائيل على عكس الدولتين ، لما تملكه من قوة ردع و وإرث عالمي موجوع ( معاداة السامية ) و مبررات الأمن والدفاع ، تمكنت خلال فترة قصيرة من عمرها أن تؤسس لدولة المواطنة القائمة على الحريات العامة ، بمن فيهم الفلسطينين العرب ( السنة و الدروز و البدو ) ، لهذا فإن ما يحدث في الجنوب ورغبة السكان في الإنضمام إلى دولة إسرائيل الكبرى له دلالات افرزتها حدة الصراع مع المختلف من الأجناس في دولة تدنت فيها المعايير الوطنية إلى أدنى مستوياتها نتيجة العنف المفرط الذي خلفه الحرب الأهلية السورية والتي أخذت أشكال أخرى من الصراع الوجودي في ظل استقواء السلطة الإنتقالية الحالية بالخارج في مواجهة حسابات الداخل ، اعتماداً على عودة العلاقات العربية والاقليمية ( التركية ) و الدولية الداعمة للإستقرار في سوريا وفق شروط الاختبار .
سيحدث انكماش في الجغرافيا السياسية والبشرية ورسم خطوط و حدود جديدة من قبل إسرائيل ، كما هو حال الجنوب السوري وكذلك في قطاع غزة بطريقة أخرى من خلال تحويله إلى مسطحات ومكعبات وبلوكات سكنية منعزله عن بعضها ، ويشمل إحداث نزوح سكاني حسب تطور الحرب ، يسهِّل عليها التحكم الأمني وفق استراتيجية الردع الإسرائيلية .
والإنكماش الواسع لمحور التشيع الإيراني ايران حصل في مرحلته ما قبل الأخيرة من خلال الحرب عليها لمدة 12 يوماً (حزيران/ يونيو 2025)
أما بالنسبة إلى تركيا فإن تغلغل قواتها العسكرية في سهل نينوى و اقليم كوردستان/العراق والشمال السوري ،لم يفضي بنتيجة حتى الآن وهي بمثابة جزر معزولة، لهذا فإن ما تقوم به من ترتيبات لوضعها الداخلي يأتي في سياق وقف التجريف والتصدع الكبير الذي سيحصل بموجبه شعب كوردستان في الجانب الشمالي من وطنه على حقوقه القومية المشروعة و ممارسة هذا الحق على أرضه التاريخية و يأتي في هذه السياقات، (فلتات لسان - تصريحات) المندوب
الأمريكي توما برَّاك بخصوص استحضار التاريخ وتشكُّل الدول وفقاً لنتائج اتفاق سايكس بيكو في بدايات القرن الماضي و التي رُتبت وفُرضت من خارج المنطقة ، بما فيها الحديث عن حكم الولايات في بلاد الشام في العهد العثماني ، إضافة إلى التكييف الاوروبي الأمريكي مع جملة من المتناقضات بالنسبة لِتَحوِّل هيئة تحرير الشام من سلطة أمر واقع في محافظة أدلب إلى السلطة الإنتقالية في دمشق والعمل على دعمها للسيطرة على عموم سوريا ( دولة مركزية واحدة وعلم واحد وجيش واحد ) إلا أنَّ الأحداث الجرمية الإنتقامية ، التي طالت المدنيين السلميين في الساحل بعد هجمات
فلول النظام على مراكز السلطة الإنتقالية و حجم العنف والرعب المهدد للسلم الأهلي بعد إجراء ما تسمى بالتسويات والمصالحات، بمن فيهم المتهمين من النظام الساقط و ما جرى في السويداء ، كان أكثر ايلاماً بالنسبة للعيش المشترك ، لسببين ، استقواء السلطة الانتقالية بالعشائر وكذلك العشائر بالسلطة و الإنخداع بتفاهمات أمريكية/ إسرائيلية ، في مشهد يعود بسوريا إلى مرحلة ما قبل الدولة و طغيان روح الإنتقام و التحريض الطائفي والمذهبي ( الفزعة = من الخوف و الفزع) و تصاعد لغة التهديد المستمر لإجتياح مناطق شرق الفرات ، دون احتساب العواقب التي ستنشئ والتي ستجر
المنطقة الى مزيد من العنف والإحتراب الداخلي ، دون الالتفات إلى الأسباب الجوهرية التي دفعت بالوضع العام إلى هذا المأزق ، بسبب الاستفراد في الحكم وانسداد الأفق السياسي و عدم التبصر الواعي بالتحولات الكبرى التي حدثت في عموم المنطقة والتي من شأنها أن تؤدي ليس إلى انزياح في الجغرافية، بل نزوح سكاني ( بشري) بالتتابع و التوازي مع الإصطفافات القومية و الطائفية ، لأن الإنسان بطبيعته الفطرية ، كسائر المخلوقات في النهاية وفي ظل قانون الغاب ، سيلوذ بالاحتماء ضمن مجموعته البشرية عندما يدفعه العنف الأعمى و الإجرام و الإرهاب إلى الإنسلاخ من المشاعر الوطنية الجامعة .
ليفانت: قهرمان مرعان آغا
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!