-
جدوى الانتخابات في الشرق الأوسط: بين هندسة النظام وتكريس الاستمرارية...
جدوى الانتخابات في الشرق الأوسط: بين هندسة النظام وتكريس الاستمرارية...
د. جوتيار تمر
اقليم كوردستان 10/ 11/ 2025
رغم تداول الانتخابات كإحدى ملامح النظم السياسية الحديثة في الشرق الأوسط، تبقى نتائجها غالبا مرهونة بفاعلية الهياكل المؤسسية والقوانين الناظمة، أكثر مما تعبر عن الإرادة الشعبية؛ فالمشكلة الأساسية لا تكمن فقط في طبيعة خيارات الناخبين، بل في الطريقة التي تصاغ بها المنظومة الانتخابية نفسها لخدمة استمرار السلطة وتأبيد التحالفات التقليدية.
يبدأ الأمر من القوانين ذاتها؛ غالبا ما تفصل القوانين الانتخابية بما يرسخ توزيعا مدروسا للمقاعد، يضمن تغليب بعض الكتل أو الزعامات، ويرسخ منطق المحاصصة أو القسمة المسبقة؛ وهكذا تتكون البرلمانات وفق خرائط محسوبة بعناية؛ قوائم مغلقة، تصويت مناطقي، عتبات انتخابية مرتفعة تمنع صعود أي طرف خارج الدائرة المغلقة؛ هذا التصميم المقصود لا يقف عند حدود الشكل القانوني، بل ينعكس مباشرة على آلية تداول السلطة ومخرجاتها؛ تنتج عن ذلك أزمة متكررة في تداول السلطة؛ فمهما تغيرت الشخوص يصعب اختراق الدوائر المرسومة بعناية نتيجة للاتفاقات المسبقة حول (المحور الفائز) أو (الكوتا المضمونة) لمجموعات معينة، وهو ما يجعل السلطة تتجدد شكليا دون حدوث نقل حقيقي للقرار السياسي أو الاقتصادي.
شهيد البارتي/ القائد الذي تجرع السُم مرتين
ويزداد هذا الأمر وضوحا تحت تأثير التوازنات الإقليمية والدولية؛ فعديد من التحالفات البرلمانية أو الحكومية تفرض نتيجة ضغوط وتحفيزات خارجية، سواء عبر التمويل أو التوافقات الدبلوماسية أو حتى بتوظيف شبكات المصالح الاقتصادية والأمني؛ ويمكن ملاحظة هذا النموذج بوضوح في العراق بشكل عام واقليم كوردستان بشكل خاص، حيث تبنى التحالفات السياسية بعد كل دورة انتخابية على أساس توازن المصالح الإقليمية بين القوى الداعمة، لا على أساس نتائج الصناديق أو إرادة الناخبين؛ فالخلافات الداخلية كثيرا ما تحسم وفق تفاهمات دولية أو إقليمية، تعيد رسم الخريطة السياسية بما يضمن استمرار النفوذ القائم وتوازناته؛ وهكذا، تصبح العملية الانتخابية أشبه بآلية لتنظيم التنافس الداخلي ضمن الأطر التي ترسمها هذه القوى، لا آلية لحسم الصراع وفق رغبة المجتمع.
الجانب الاقتصادي حاضر بقوة أيضا؛ تظهر الانتخابات شكلا من أشكال إعادة توزيع الموارد، حيث تستخدم الحملات الانتخابية والوعود كممر جديد لتثبيت طبقات النخبة وتمتين شبكات الفساد والمحسوبية؛ فيفضي ذلك إلى التفاوت الطبقي، وتهميش القوى التي لا تستند إلى هياكل تمويل أو دعم تقليدي؛ أما على مستوى المعارضة، فغالبا تعيد الأحزاب والكتل المعارضة إنتاج ذات الهياكل الداخلية والنزاعات، لتتحول مع الوقت إلى جزء من النسق العام بدل أن تقود التغيير؛ والاحتجاجات الشعبية، رغم زخمها أحيانا، تصطدم بجدار صلب اسمه (المنظومة القانونية والسياسية المغلقة)؛ لهذا، فجدوى الانتخابات الحقيقية في المنطقة لا يمكن تقييمها من منظور السلوك الجماهيري وحده، بل من خلال مراجعة نقدية لمنظومة القوانين، وطريقة بناء المؤسسات، وهيكلية التحالفات، والتمويل السياسي، والأثر الاقتصادي والاجتماعي؛ وبغياب إصلاحات بنيوية حقيقية، تبقى العملية الانتخابية أقرب إلى إعادة توزيع شكلية للسلطة ضمن النسق ذاته، لا إلى مسار فعلي للتغيير السياسي.
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!

