الوضع المظلم
الجمعة ١٣ / يونيو / ٢٠٢٥
Logo
  • فلسفة الدولة في مشروع النهضة: من الكيانات المُسيطِرة إلى الدولة المؤسِّسة للإنسان

فلسفة الدولة في مشروع النهضة: من الكيانات المُسيطِرة إلى الدولة المؤسِّسة للإنسان
شادي الخش

 تعريف مفهوم الدولة:
الدولة، في مشروع النهضة، ليست كيانًا يحكم، بل منظومة تُؤسَّس على معنى،
معنى يرتبط بالعدالة لا بالهيمنة،
وبالحرية لا بالإخضاع،
وبالإنسان لا بالسلطة.
ليست آلة سيطرة، ولا نظام طاعة،
بل هي عقد إرادي بين أناس أحرار،
يتنازلون عن العنف لحساب القانون،
ويستبدلون العُصبَة بالمواطَنة،
والغلبة بالتوازن.
الدولة بهذا المعنى لا تُختزل في الحاكم أو الحزب أو الطائفة،
بل تتجاوزهم جميعًا، لتكون التعبير الأعلى عن الإرادة العامة،
وضمانة العدالة،
ومؤسسة للحق،
لا جهازًا لتوزيع القوة والنفوذ.

لم تكن "الدولة" في سوريا يومًا ما يجب أن تكونه،
بل ظلت مسخًا بين السلطة الأمنية، والطائفة الحاكمة، والحزب القائد،
تتجاذبها مشاريع القوة،
ويُفرغها الفساد،
وتُسلب منها روحها التي وُجدت لأجلها:
أن تكون "حَكمًا" لا "خصمًا"،
وأن تكون "ضامنًا" لا "خطرًا"،
وأن تكون "الحدّ الفاصل" بين الحق والغلبة.
منذ الاستقلال، ظلّت الدولة السورية فكرة مُجهضة،
لم تُكتب لها فرصة الاكتمال،
تارة بانقلاب،
وتارة باحتلال داخلي للمؤسسات،
وتارة بتحوّلها إلى آلة تنتمي لحاكم أو جماعة أو مشروع خارجي.
وفي كل مرة، كان اسمها "دولة"،
لكن مضمونها كان نظامًا سلطويًا يتخذ شكل الدولة، دون أن يكونها.

 ملامح نفي الدولة كفكرة ومؤسسة

من خلال ما تم تفكيكه في القسم الأول من المشروع،
نستطيع أن نُعيد رسم ملامح "الدولة المزوّرة" التي حُكمت بها سوريا:
دولة الطغيان: حيث الرئيس لا يُسأل، ويُشرعن حكمه بالدستور، ويختزل البلاد في شخصه.
دولة الحزب الواحد: حيث تُلغى التعددية، وتُفرغ السياسة من معناها، ويُختزل المواطن في عضو حزبي.
دولة الأمن: حيث يُستبدل القانون بالتقرير الأمني، والعدالة بالأوامر الشفوية.
دولة الطائفة: حيث تُمنح الامتيازات وفق الهويّة، ويُقصى المواطن باسم الانتماء.
دولة الريع: حيث لا إنتاج، بل توزيع للولاء عبر الوظائف والرواتب والتبعية الاقتصادية.
دولة الشكل دون الجوهر: حيث هناك وزارات، وبرلمان، وقضاء، لكنها تُستخدم كواجهة.
هذا الشكل المزور للدولة أنتج إنسانًا ممزقًا،
ومجتمعًا خائفًا،
وسلطة بلا شرعية،
ومؤسسات بلا روح.

 الدولة المؤسِّسة للإنسان – قلب التحول النهضوي

إذا كانت الأنظمة قد أسست نفسها على نفي الإنسان،
فإن الدولة في مشروع النهضة ستُبنى على استعادته.
وهذا لا يعني فقط "حماية الحقوق"، بل إعادة تعريف الوظيفة الجوهرية للدولة:
أن تُفكك السلطة لا أن تحتكرها.
أن تُوزع القوة لا أن تُكدسها.
أن تبني المجال العام لا أن تملكه.
أن تُنظّم الصراع لا أن تُلغيه.
أن ترعى الاختلاف لا أن تحوّله إلى خيانة.
الدولة الحقيقية هي تلك التي لا تُخيف المواطن، بل تحميه من الخوف.
التي لا تُجبره على الولاء، بل تُلزِم نفسها بالحق.
التي لا تطلب طاعته، بل تستمد منها شرعيتها.

 الدولة ليست أداة، بل قيمة

في هذا المشروع، لا نرى في الدولة مجرد جهاز لتنفيذ السياسات،
بل نراها كقيمة عليا تنظّم الاجتماع الإنساني،
وتجسّد معنى السيادة المشتركة.
الدولة بهذا المعنى لا تستمد قوتها من الجيوش،
بل من احترام الناس لها.
ولا تستمد وجودها من خريطة،
بل من العدالة التي تُجسّدها.

من الدولة–الخصم إلى الدولة–الضامن

التحول الجذري الذي نسعى إليه هو التحول من منطق الدولة–الخصم إلى الدولة–الضامن.
لا نريد دولة تحكم الناس، بل دولة تحكمها القوانين التي يشارك الناس في صنعها.
لا نريد دولة تراقب المواطن، بل تراقب نفسها من خلال مؤسسات مستقلة.
لا نريد دولة "تُمنّ" على الناس بالحريات، بل تعتبرها شرط وجودها.
الدولة التي نحلم بها ليست فوق المجتمع،
ولا تحت أوهام الطوائف،
بل معه، فيه، منه،
كجسر يربط بين الأفراد المختلفين، لا سور يعزلهم عن بعضهم.

 خاتمة – الدولة ليست نقيض الإنسان… بل هي صورته العليا
حين نتحدث عن النهضة، لا نعني إقامة نظام جديد فوق أطلال الدولة القديمة،
بل نعني بناء دولة تُولد من فكرة الإنسان السيادي،
لا من السلالة، ولا من الطائفة، ولا من المؤامرة.
دولة تُدار بالعقد، لا بالقرار،
بالمؤسسات، لا بالولاءات،
بالمعنى، لا بالإخضاع.
وفي اللحظة التي تُولد فيها هذه الدولة،
يبدأ الوطن في التشكل كمعنى،
ويعود الإنسان إلى مكانه الطبيعي:
ليس على هامش القرار،
بل في صلبه.

من مشروع النهضة وبناء الدولة السورية ما بعد الاستبداد 
#مشروع_النهضة_السورية 
#بناء_الدولة_ما_بعد_الاستبداد

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!