-
نثق بكم فأنتم أهلها.. وأهل القرار الصعب

نثق ثقة راسخة بأعضاء الوفد الكوردي المفاوض، المؤلف من تسعة مناضلين، برئاسة الأخ (محمد إسماعيل) والأخت (بروين يوسف) أولئك الذين جمعوا بين الإرث النضالي والخبرة السياسية، وبين العقل الهادئ والرؤية الواضحة. إنهم من أولئك الذين لا تغريهم الشعارات العابرة، بل يحملون في ذاكرتهم وجع غربي كوردستان، وفي وجدانهم مشروعًا لوطن يستحق الحياة.
هؤلاء، ممن خبروا دروب النضال وعاشوا وجع التهميش ومرارات الإقصاء، يدخلون ميدان التفاوض لا كطالبي صدقة سياسية، بل كممثلين لقضية عادلة، قضية شعبٍ حمل سوريا في قلبه، ولم يبع كرامته في سوق المصالح الضيقة. يمتلكون مقدرة سياسية استثنائية تمكّنهم من عرض مطالب الشعب الكوردي بكل وضوح وجرأة، وهم مسلحون برؤية استراتيجية ترى في النظام الفيدرالي اللامركزي ليس مجرد حلّ للكورد فحسب، بل مشروع إنقاذ لسوريا بأكملها من براثن المركزية المتهالكة والطغيان المتجذر.
هذا الوفد، الذي خرج من رحم المؤتمر الكوردي في قامشلو، لا يحمل أجندة فئوية ضيقة، بل وثيقة وطنية واسعة الأفق، تؤمن بسوريا جديدة تتشارك فيها كل المكونات، دون إقصاء أو وصاية. يؤمنون بأن سوريا المستقبل لن تُبنى إلا على أسس العدل، والمواطنة، والاعتراف المتبادل. إنهم لا يفاوضون على هوامش التاريخ، بل يكتبونه من جديد، يداً بيد، مع سائر القوى التي تؤمن بالتغيير الحقيقي.
نتيقن أن أعضاء هذا الوفد، حين يجلسون إلى طاولة التفاوض مع ممثلي الحكومة الانتقالية، لن يكونوا ممثلين لحزب أو تيار، بل لقضية بحجم تاريخ الشرق الأوسط، ولحلم عمره مئة عام، ولشعبٍ قدّم من أجل الكرامة ما لم يقدّمه سواه. نعلم أنهم يحملون أرشيف أمة، ذاكرة شعب، وملفات معاناة عمرها من عمر الجغرافيا السورية الحديثة.
لنرتقِ فوق منطق التحزّب والانحياز المناطقي، ولنفكر بغربي كوردستان كوحدة سياسية وجغرافية تتجاوز حدود المناطقية والتحزب، فالمسألة لم تعد متعلقة بلجنة تختص بالشأن الاقتصادي، أو القانوني، أو الإداري، أو منطقة دون الأخريات فحسب، بل تتصل بجوهر التمثيل السياسي لشعبٍ موزّع قسرًا، ومقهور تاريخيًا. إن الهيئة، وفق ما نص عليه ميثاق الكونفرانس، تمثّل غربي كوردستان، تلك التي تبدأ من ديركا حمكو ولا تنتهي بعفرين، بل تشمل كامل الامتداد الجغرافي والاجتماعي والثقافي للكورد في سوريا، من المدن الكبرى إلى أبعد التجمعات.
هؤلاء ليسوا مجرد ممثلين تقنيين، بل حاملو تفويض سياسي وقومي، للحوار حول المبادئ العليا، وصياغة ملامح المرحلة القادمة، إنهم يدركون، كما ينبغي لكل وطني أن يدرك، أن المسائل التقنية ستُحال لاحقًا إلى لجان متخصصة، لكنّ التوجه السياسي العام لا يحتمل التردد، ولا يقبل المساومات.
واليوم، تقف المسألة الكوردية على مفترق حاسم، الخيار الفيدرالي اللا مركزي، إنه ليس مطلبًا تكتيكيًا، بل ضرورة تاريخية لضمان العدالة والتعددية، ولسوريا جديدة تتسع لكل مكوناتها بلا تمييز.
نأمل أن يمتلك هذا الوفد ما يكفي من الحنكة والرصانة لإقناع الأطراف الرافضة، سواء أكان رفضهم نابعًا من اصطفافات إقليمية، أو من رواسب ثقافية عالقة لا تزال تنظر إلى السلطة المركزية كقدَرٍ نهائي، وتختزل الوطنية في هيمنة الأكثرية العربية. إن المعركة اليوم ليست فقط على الأرض، بل على المفاهيم، بين من يسعى إلى إعادة إنتاج الدولة الأمنية، ومن يؤمن بسوريا كدولة لكل شعوبها، متعددة الهويات، ومتوازنة السلطة.
ندعو كل الوطنيين الأحرار، وكل السوريين الحالمين بوطن يستحقهم، أن يلتفوا حول هذا الوفد، ويدعموه، ويحصّنوا مساره من التشويه، لأن ما يُبنى اليوم قد يكون حجر الأساس في دستور الغد. وإننا إذ نعلن وقوفنا إلى جانبهم، نشدّ على أياديهم، ونثق أنهم سيحملون أمانة شعبهم بأعلى درجات المسؤولية والوعي، وأن صوتهم سيكون عاليًا، حرًا، لا ينحني إلا أمام الحقيقة.
نتمنى لهم التوفيق، ليس باسم غربي كوردستان فقط، بل باسم سوريا الحرة، التي آن لها أن تنهض من رماد الاستبداد لتولد من جديد، متعددة، عادلة، وإنسانية.
د. محمود عباس
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!