الوضع المظلم
الخميس ٠٧ / أغسطس / ٢٠٢٥
Logo
  • إرث محفور بالدماء: نهب الحضارة السورية وتحديات استعادته

إرث محفور بالدماء: نهب الحضارة السورية وتحديات استعادته
إرث محفور بالدماء: نهب الحضارة السورية وتحديات استعادته

في بلد تُخزن تربته حضارات عريقة ومتجذرة عبر العصور، لم يكن الحفر في الأرض مجرد عملية تنقيب عن آثار، بل كان بمثابة نبش لذاكرة أمة تعرضت لتحديات الحروب والخرائط المتداخلة. فمهربو الآثار يتقاسمون بصمت قاتل الكنز الثقافي الذي بقي من حضاراتها، بينما تتعرض مراكزها الأثرية للتدمير والتخريب المنظم.

وفي قلب دمشق، يقف المتحف الوطني كشاهدة على تاريخ يمتد لقرون، لكنه صار رمزًا للصمت الموجع، بعد أن حولت الحرب والتهريب آثارها إلى أوراق منسية في الأسواق السوداء بأوروبا وآسيا. فمنذ عام 2011، فقدت سوريا أكثر من مليون قطعة أثرية، بحسب بيانات المتحف الوطني، مع تصاعد عمليات السرقة والتهريب دون سجلات رسمية، مما يعقد مهمة استعادتها لاحقًا.

أماكن الحفر غير القانوني، خاصة في محافظة إدلب ومدينة حلب، تكشف عن حجم الدمار المنظم، حيث تم توثيق حفريات غير شرعية في مئات المواقع، بينما تدمر البعض بالكامل. عمليات الحفر كانت تتم بسرية تامة، يقودها منقبون يمتطون الظلام، ويستخدمون طرقًا بدائية لحماية كنوزهم من التلف والغارات.

وفي ظل غياب التوثيق الرسمي، خاصة قبل 2011، تصطدم جهود استعادة القطع المسروقة بحواجز قانونية وإدارية، في ظل تلاعب النظام السابق وقبضة الجهلة على سجلات التراث. ووفقًا لخبراء، فإن التهريب بدأ قبل الأزمة، واستمر خلال سنوات الحرب، مع مشاركة فصائل مسلحة وتنظيمات إرهابية مثل داعش، التي استغلت الظروف لنفخ سوق التهريب وبيع آثار مأخوذة من تراث الحضارات القديمة.

وفي ظل استمرار المداهمات والتهريب، تتوقف بعض القطع على منصات المزادات الدولية، دون أن تتمكن السلطات السورية من استرجاعها بسبب نقص البيانات والوثائق. وبينما يندد المختصون بالجريمة الثقافية التي تتصاعد، تأمل سوريا في جهود موحدة للتوثيق والملاحقة، بتمثيل تنسيق مع دول كفرنسا وروسيا وتركيا وإيران، بهدف استعادة ما يمكن من ذاكرة الأجداد الغارقة في صمت الحرب.

وفي النهاية، تُبقي صورة الأقمار الصناعية، وشهادات الحفّارين، وخرائط الدمار، كأدلة دامغة على جريمة مستمرة، تضع معركة الذاكرة والثقافة السورية أمام تحدٍ غير مسبوق، يهدد بطمس تاريخ أمة كانت دائمًا منارة للحضارات الإنسانية.

المصدر: سكاي نيوز

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!