الوضع المظلم
الخميس ٢٠ / نوفمبر / ٢٠٢٥
Logo
البارزاني، حكاية وطن مقاوم
عزالدين ملا

عزالدين ملا
   
يُعد الرئيس مسعود البارزاني من أبرز الشخصيات التي شكّلت مسار كوردستان الحديث، حيث مثل صوتاً قوياً للنضال من أجل الحرية والكرامة للشعب الكوردي في كل أرجاء كوردستان. رغم المتغيرات السياسية والتحديات الكبيرة التي مرت بها المنطقة، حافظ البارزاني على مكانته كقائد يُعبّر عن تطلعات الكورد في العراق وباقي أجزاء كوردستان، مقدّماً دعماً متواصلاً لقضايا شعبه وحقوقه الوطنية.

تاريخ كوردستان الحديث لا يمكن فصله عن دور العائلة البارزانية، التي أسسها الملا مصطفى البارزاني، والذي وضع أسس الحركة التحررية الكوردية، فيما حمل ابنه مسعود البارزاني الراية ليواصل النضال بروح جديدة، تجمع بين التمسُّك بالمبادئ والمرونة السياسية التي فرضتها الظروف المتغيرة.


كان مسعود بارزاني قائداً استثنائياً، لم يكتفِ بإدارة الملف الكوردي في إقليم كوردستان، بل كان رمزاً لوحدة الكورد على اختلاف توجهاتهم ومناطقهم. وقوفه إلى جانب إخوانه في غرب كوردستان   خلال المحن التي تعرضوا لها، سواء على الصعيد العسكري أو الإنساني، يؤكد عمق التزامه بالدم الكوردي الواحد وبحق شعبه في العيش بكرامة وأمان.
كما عمل البارزاني بلا كلل من أجل توحيد الصف الكوردي وتعزيز التعاون بين مختلف القوى السياسية، مدركاً أن الوحدة هي الأساس لمواجهة التحديات الإقليمية وضمان حقوق الكورد في أي مستقبل سياسي.  
مسيرة البارزاني ليست مجرد سرد تاريخي، بل هي شهادة على قائد دمج بين الحكمة السياسية والإنسانية، وأصر على أن تبقى كوردستان قوية وموحدة، محافظة على كرامة شعبها ومستقبل أجيالها القادمة.
   

لن يتمكن المرء من فهم السياسة الكوردية في العراق وعموم كوردستان دون الرجوع إلى تاريخ العائلة البارزانية ودورها الكبير في قيادة النضال الكوردي. الملا مصطفى البارزاني، الذي أسس الحركة التحررية الكوردية الحديثة، كان له دور محوري في زرع بذرة النضال الكوردي، في حين جاء ابنه، الرئيس مسعود البارزاني، ليكون وريثا لهذه البذرة، ليس فقط في العراق بل على مستوى كوردستان الكبرى.
 

   
لم يكن البارزاني مجرد قائد سياسي، بل كان أيضاً رمزاً لوحدة الكورد على اختلاف انتماءاتهم القومية والدينية.
البارزاني لم يكن مجرد قائد ينتمي إلى سلالة مناضلة، بل كان يحمل على عاتقه عبء إرث ثقيل، هو إرث والده الراحل الملا مصطفى البارزاني، الذي أسس الحركة التحررية الكوردية الحديثة وأطلق بذرة النضال الكوردي في وجه الأنظمة القمعية.
   
لم يكن الملا مصطفى مجرّد شخصية ثورية، بل كان رمزاً للمقاومة الكوردية ضد الأنظمة المستبدة. عندما تولى مسعود البارزاني قيادة الحركة بعد والده، لم يكن يعكف على مجرد استكمال مسيرة سابقة، بل أضاف إليها طابعاً من الحكمة السياسية والمرونة التي ساعدته على اجتياز العديد من العقبات التي تواجهها القضية الكوردية. كان على دراية تامة بأن التحديات التي يواجهها الكورد في القرن الواحد والعشرين تختلف عن تلك التي واجهها والده في منتصف القرن العشرين، ومن هنا جاء ذكاؤه في إدارة شؤون كوردستان بما يتلاءم مع التطورات الإقليمية والدولية.


واحدة من أبرز المراحل في مسيرة الرئيس البارزاني هي مواقفه تجاه غرب كوردستان. كانت الأزمة السورية تمثل لحظة فارقة، ليس فقط بالنسبة لسوريا، ولكن أيضا بالنسبة للشعب الكوردي في مختلف أجزاء كوردستان. ففي الوقت الذي كانت فيه المناطق الكوردية في سوريا تخوض صراعاً مريراً ضد التنظيمات الإرهابية مثل داعش، كان الرئيس البارزاني يقف إلى جانبهم على أكثر من جبهة. هذه المواقف لم تكن مقتصرة على الدعم العسكري الذي تمثل في إرسال قوات البيشمركة إلى كوباني، بل كانت تشمل أيضا دعما إنسانيا عميقا تمثل في تقديم المساعدات الغذائية والطبية للمناطق الكوردية المتأثرة بالأزمة.

عندما تعرضت مدينة كوباني، على سبيل المثال، لهجوم واسع من تنظيم داعش في عام 2014، وقف البارزاني إلى جانب مقاتلي وحدات حماية الشعب.
   
 لم يكن دعم الرئيس البارزاني للمقاتلين الكورد في روجآفايي كوردستاني مقتصراً على المساعدات العسكرية، بل كان يشمل أيضا المساعدات الإنسانية والإغاثية. وكانت هذه المواقف تأكيداً على أن البارزاني لم يكن مجرد قائد عسكري، بل كان أيضا قائدا إنسانياً، سعى دائماً لتحقيق مصالح شعبه بعيداً عن حسابات السياسة التقليدية.
   
أما على الصعيد الإنساني، فقد كان البارزاني، منذ بداية الأزمة السورية، حريصاً على توفير مأوى للنازحين الكورد من سوريا، وخاصة من المناطق المتضررة مثل كوباني وعفرين. لم يكن هذا التوجه مجرد تصرف عارض، بل كان سياسة مستمرة. 
   
فتح إقليم كوردستان أبوابه لاستقبال هؤلاء النازحين، مما أتاح لهم فرصة البقاء في بيئة آمنة نسبياً، بعيدة عن دائرة الصراع العنيف.  
   
على الصعيد السياسي، كان البارزاني دائماً يؤمن أن الوحدة الكوردية هي السبيل الوحيد لضمان الحقوق الكوردية في أي تسوية سياسية مستقبلية، سواء كانت في سوريا أو في العراق. لذلك، لم يدخر الرئيس البارزاني جهداً في العمل على توحيد الموقف الكوردي في سوريا، حيث أصر على تشكيل تحالفات بين مختلف القوى الكوردية، وشارك بشكل مباشر في دعم المفاوضات التي أسفرت عن اتفاقيات هولير (1) و(2) في عام 2014 و2016. هذه الاتفاقيات كانت تهدف إلى توحيد الفصائل الكوردية المختلفة في سوريا.
وفي السياق ذاته، كان البارزاني يدرك تماما أن الأزمة السورية لن تحلّ في غياب وحدة الصف الكوردي. وكان قد دعا بشكل مستمر إلى ضرورة تمثيل الكورد في جميع المحافل السياسية المتعلقة بتسوية الأزمة السورية، بما في ذلك المفاوضات مع النظام السوري. وقد لعب دوراً محورياً في تأسيس الوفود الكوردية من أجل التفاوض حول حقوق الكورد السياسية في دمشق، وهو ما يظهر حرصه الدائم على تأمين حقوق شعبه في كافة الأطر السياسية.
   
لكن مواقف الرئيس البارزاني لم تقتصر على الأبعاد العسكرية أو الإنسانية في سياق الأزمات السياسية، بل كان له دورٌ كبيرٌ في إدارة الأزمات الطبيعية أيضاً. على سبيل المثال، في عام 2023، عندما ضرب الزلزال الكبير المناطق الحدودية بين تركيا وسوريا، كانت المناطق الكوردية في شمال سوريا من أكثر المناطق تضرراً، خاصة مدينة عفرين. في تلك اللحظات، كان البارزاني في طليعة القادة الذين استجابوا للأزمة بسرعة، حيث أرسل فرق إغاثة طبية فورية، وفتح مراكز إيواء للنازحين. 

كما أن البارزاني كان يعي دائماً أن استقرار كوردستان يعتمد على وحدة الموقف الكوردي داخلياً وإقليمياً، فقد ظل يؤكد على ضرورة التعاون بين كافة الأجزاء الكوردية، سواء في العراق أو سوريا، وأيضاً على ضرورة تنسيق المواقف مع القوى الإقليمية والدولية من أجل ضمان مصالح الكورد وحماية حقوقهم القومية. كان يدرك أن الجهود المنفردة قد تؤدي إلى تفتيت الموقف الكوردي في المنطقة، وبالتالي كان يسعى دائماً إلى تنسيق الخطوات بين كافة القوى الكوردية لتحقيق الأهداف المشتركة.
   
إن مسيرة الرئيس مسعود البارزاني تستند إلى رؤية استراتيجية واضحة ومتماسكة، حيث يسعى إلى تحقيق الاستقلالية السياسية والاقتصادية لكوردستان، مع الحفاظ على التوازن بين علاقاته مع القوى الإقليمية والدولية. ما يعزز من فاعلية هذه الرؤية هو حرصه على تحقيق شراكات استراتيجية مع دول مؤثرة في المنطقة، بالإضافة إلى سعيه المستمر لإبراز القضية الكوردية على الساحة الدولية. وبالرغم من التحديات التي يواجهها إقليم كوردستان بشكل عام، ظل البارزاني رمزاً للصمود والتحدي، وأصبح رمزاً لوحدة الكورد في جميع أنحاء كوردستان.
 
 إن الرئيس مسعود البارزاني ليس فقط قائداً سياسياً، بل هو مثالٌ حيٌّ للزعيم الذي تدمج مواقفه بين الحكمة السياسية والإنسانية، ويواصل العمل من أجل رفعة شعبه وحقوقه، سواءً في العراق أو في سوريا أو في باقي أجزاء كوردستان.

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!