-
السوريون... واقع مأساوي وخيارات قاسية

لا يكفي كي نعرف أسباب الفشل الذريع في أداء سلطة الأمر الواقع في سوريا أن نذكر العامل الذاتي لمنظومتها وكوادرها، بل لا بد من أن يُدرس الملف السوري في إطاره العربي والإقليمي والدولي كي ندرك وجهته ونعرف القوى التي يخضع لها ويتأثر بأطماعها السياسية في سوريا وحولها.
فعلاوةً على -وبسبب- الخلفية الجهادية للمنظومة المتحكمة بسوريا اليوم، وارتكابها للمجازر المتنقلة بين الساحل السوري وريف حمص ودمشق وريفها والسويداء، تجد المشهد على مستوى إدارة البلاد عبثياً، فليس ثمة وضوح وليس ثمة تخطيط وليس ثمة إنجاز لأي مشروع يمكن اعتباره ثمرةً تحسب لهذه الجماعة، لا بل إنك لا تعرف من يدير البلاد في سوريا اليوم، ولا تعرف من يتخذ القرارات، كما أنك لا تعرف ما هي المؤسسات التي مازالت تعمل بعد أن أفرغت هذه السلطة كافة مؤسسات الدولة من كوادرها، وأخضعت ما بقي منها لمشيخات تشبه تماماً سلوك نظام الأسد في زرع ضباط أمن في كل مفصل من مفاصل الدولة، ولا بد هنا من التلميح إلى أن سلطة الأمر الواقع هذه لم تُكَلَّف من قبل كفلائها بإدارة البلاد ولم يدرج ذلك في جدول أعمالها ولا في دفتر شروط استلامها السلطة من نظام الأسد، بل هي كُلِّفَتْ فقط بتمرير جملة من الاتفاقيات على المستوى الإقليمي والدولي، وهذا ما عكسته الأشهر الماضية التي سمعنا فيها جعجعة لكننا لم نر دقيقاً.
ومن مظاهر فشل هذه السلطة عدم وضوح رؤيتها لمستقبل البلاد وعدم التعاطي مع الشعب السوري بشفافية كونها تمارس ذات السياسة الإعلامية لنظام الأسد من خلال محطة تلفزيونية مسكونة بأرواح أبواق الأسد، ومن خلال مؤثرين سطحيين بينهم وبين مهنة الإعلام بون شاسع همهم الوحيد تلميع السلطة والدفاع الشرس والمستميت عنها وتزييف الحقائق وتسويق المجازر على أنها حوادث فردية وبث كل ما من شأنه التأسيس لحرب طائفية تفضي إلى تقسيم البلاد.
هذا علاوة على مسرحيات الاستثمارات التي تسوقها هذه السلطة للشعب على أنها حقيقية وأنها ستنقذ البلاد من عوزها وفقرها وانهياراتها، في حين هي لا تتجاوز كونها مذكرات تفاهم ونوايا (ربما حسنة) ليس إلا، هذا بالإضافة إلى أن السلطة تتناسى أن سوريا لم تزل ترزح تحت نير عقوبات عرقلت وستبقى تعرقل أي استثمار ممكن فيها، وأن السلطة لم تفعل شيئاً من أجل سد الذرائع التي أدت إلى إقرار تلك العقوبات، بل هي عززت تلك الذرائع بمزيد من المجازر بحق الشعب السوري.
من الواضح أن بعض الدول العربية ودول الإقليم بما فيهم إسرائيل وبالتالي أميركا اتفقوا على اختيار الأسوأ والأكثر خطورة لتمرير المرحلة المؤقتة في سوريا مستغلين ترحيب الشعب السوري بمن يخلصهم من نظام الأسد أياً كان بعد أن أوصلوه حافة اليأس وذلك من أجل تحقيق هدفين أساسيين، الأول القضاء على ذلك الأسوأ سواء بشكل مباشر بعد أداء مهامه أو بالاقتتال الداخلي بين فصائله، والثاني وضع حجر الأساس لمشروع تقسيم سوريا، الأمر الذي لا يخدم إلا إسرائيل ومشروعها التوسعي في هذا الشرق المنذور للصراع والذي يؤكده ويعمل من أجله أداء سلطة الأمر الواقع منذ وصلت دمشق واستلمت السلطات من نظام الأسد الذي مهَّد طيلة أربعة عشر عاماً لتسليم البلاد لتلك الفصائل التي منذ تشكلت عملت - وبتخادم مكشوف بينها وبين نظام الأسد- على اغتيال ثورة الشعب السوري ومحاربة كوادرها ومؤسساتها وتخوين رموزها وإشغال السوريين بصراعات أهلية وتصدير مشهد جهادي أرعب المجتمع الدولي ودفعه إلى التراخي في والتراجع عن دعم مطالبات الشعب السوري بتطبيق القرار الدولي 2254 لنقل السلطات إلى دولة حديثة قائمة على العدل والمساواة.
ولعل تبرؤ هذه السلطة من الثورة السورية ومن الربيع العربي بأكمله خير دليل على الدور الخبيث الذي لعبته لشيطنة تلك الثورة والاستفراد بالتفاوض على مصير سوريا والسوريين بما يكفل مصالح مشغليها في الإقليم والعالم.
كل ذلك يضع السوريين أمام خيارات صعبة، فهم إما أن يمضوا في طلب تقرير المصير كفئات ومكونات، أو أن يوحدوا جهودهم ويعيدوا عقارب الثورة إلى الوراء لإسقاط هذه السلطة، أو أن يستكينوا ويخضعوا ويؤجلوا حريتهم وكرامتهم مائة عام أخرى.
ليفانت: نزار غالب فليحان
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!