-
الشرق الأوسط يُعاد رسمه من بوابة سوريا الجنوبية
الشرق الأوسط يُعاد رسمه من بوابة سوريا الجنوبية
النفط والغاز يرسمان حدود الشرق الأوسط الجديدة
الكاتبة - غنى الشومري
تشير التحركات الأميركية الأخيرة في سوريا إلى أن المنطقة تدخل مرحلة جديدة من إعادة التموضع العسكري والاقتصادي في آنٍ واحد. فواشنطن، وفق معطيات ميدانية متقاطعة، تستعد لتثبيت وجود عسكري دائم قرب دمشق — في مطار يُعدّ الأول من نوعه للعاصمة منذ عام 2011 — في خطوةٍ تتجاوز بعدها الأمني نحو هندسة توازنات جديدة بين الشرق والغرب.
ورغم أن الخطاب الرسمي يكرر عبارات مثل “محاربة الإرهاب” و“ضمان الاستقرار”، فإنّ المعطيات الفعلية تشير إلى تحرك أعمق يتصل بإعادة رسم خرائط الطاقة والنفوذ. فالولايات المتحدة لا تكتفي اليوم بالتمركز الميداني، بل تسعى إلى رسم بنية اقتصادية – طاقوية جديدة للمنطقة، تُعيد من خلالها ضبط ميزان القوة العالمي.
خطوط الطاقة: سلاح الجغرافيا الجديد
تعمل الولايات المتحدة وإسرائيل على مشروع خط الغاز الخليجي الذي سيعبر شمال شرق سوريا وصولًا إلى الجنوب، ليرتبط بالموانئ الإسرائيلية على البحر المتوسط.
هذا الخط، في حال اكتماله، سيُنشئ ممراً استراتيجياً بديلاً يربط الخليج بأوروبا دون المرور بتركيا أو قناة السويس، ما يمنح واشنطن وتل أبيب قدرة غير مسبوقة على التحكم بأسعار الطاقة وتدفقها نحو القارة الأوروبية.
بهذا الشكل، تتحول الموانئ الإسرائيلية إلى مركز إقليمي لتوزيع الغاز وتسعيره، فيما يُعاد ترتيب النفوذ الاقتصادي في المنطقة بما يضمن تفوق المحور الأميركي – الإسرائيلي، مقابل تحجيم الأدوار التركية والإيرانية، وتقييد النفوذ الروسي في الساحل السوري ضمن هامش رمزي فقط.
التحول اللافت تمثّل في الموافقة المبدئية على إنشاء قاعدة أميركية أو مطار عسكري قرب دمشق، في نطاق الجنوب السوري، وهو تموضع غير مسبوق منذ اندلاع الحرب.
يتزامن ذلك مع توجيه إدارة ترامب بمراجعة تصنيف سوريا كدولة راعية للإرهاب، إلى جانب رفع هيئة تحرير الشام من قوائم التنظيمات الإرهابية — بطلب مشترك من أنقرة وتل أبيب — ما يعكس مقاربة سياسية جديدة تهدف إلى إعادة تأهيل بعض القوى الميدانية لتصبح جزءاً من معادلة النفوذ المقبلة.
هذان المساران — العسكري والسياسي — يشكّلان معًا ملامح صفقة نفوذ متعددة الأطراف، قاعدتها الاقتصاد والطاقة، وغلافها المعلن “محاربة الإرهاب”.
الجنوب السوري: من وصاية ميدانية إلى وصاية اقتصادية
الجنوب السوري، الممتد من التنف إلى تخوم الجولان، يتحول تدريجيًا إلى منطقة وصاية مزدوجة:
نفوذ أميركي واسع في الإشراف والتمويل، وظلّ أمني إسرائيلي يراقب الحدود.
وفي المقابل، يُمنح الروس حضورًا محدودًا في الساحل لتفادي التصادم المباشر، بينما تُقصى الصين عن مشاريع البنية التحتية، خصوصًا في شبكات النقل والطاقة.
الغاية لم تعد السيطرة على الأرض بقدر ما هي السيطرة على الممرات البرية وأنابيب النفط والغاز. فالمعارك المقبلة لن تُدار بالبندقية، بل بالأنبوب والميناء والعقود العابرة للحدود.
الانتقال السياسي في سورية ما بعد الأسد........ قراءة استراتيجية
قرار واشنطن بفتح مطار قرب دمشق، ومراجعة قوائم الإرهاب، وتثبيت خط الغاز الخليجي – الإسرائيلي، يشكّل معًا نواة مشروع هندسة جديدة للشرق الأوسط.
شرقٌ يُعاد بناؤه وفق خرائط استثمارية، لا وفق خرائط الدم.
حدوده تُرسم بأنابيب الطاقة، وقواعده تُقام لحماية المصالح الاقتصادية أكثر من الأمن العسكري.
لقد بدأت مرحلة “السلام المصلحي”، لا “السلام العادل” — شرقٌ تُدار طاقته بعقلٍ خفيّ، وتُحرس حدوده بالعقود والأنابيب.
إنه زمن النفط والغاز كأدوات لرسم الجغرافيا من جديد، وزمن الموانئ التي تتحول إلى معابد السوق الحديثة، حيث تُوزَّع القوة وتُكتب خرائط النفوذ بصمتٍ أكثر فاعلية من صوت المدافع.
ما يحدث في سوريا ليس معزولاً عن المشهد الدولي. فخلف خطوط الغاز تمتد خطوط توتر اجتماعي واقتصادي عالمي.
النفط والغاز ليسا فقط سلعتين استراتيجيتين، بل رمزين لمعركة أكبر بين من يملك الطاقة ومن ينتجها.
وسوريا، بكل هشاشتها وموقعها، تقف اليوم في قلب هذه المعادلة — مرآةً لعالمٍ يعيد رسم نفسه بأنابيب الوقود لا بخطوط الهدنة.
ليفانت نيوز - سوريا
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!

