الوضع المظلم
الأحد ١٠ / أغسطس / ٢٠٢٥
Logo
سوريا.. السير على حبل مشدود
إبراهيم جلال فضلون

رغم هذه التعقيدات، وبعد 14 عاما من حرب أهلية ضروس، لا تبدو الحكومة السورية الحالية راغبة في الانجرار إلى صراع القوى العظمى أو أحلاف ثابتة أو خصومات حادة، رغم أنها اليوم في قلب صراع جديد، لتبقى دمشق منفتحة على أي جهة مستعدة للمساهمة في الإعمار، شرط ألا تفرض شروطا تمس جوهر السيادة السورية التي انتهكتها (إسرائيل وماما أميركا) التي ظلت، طيلة العقود الماضية، تحاول إدخال سوريا ضمن مجال نفوذها، دون نجاح. ليحتلا أكثر من ثلث البلاد في جنوب سوريا واحتلت جبل الشيخ والمناطق المحيطة به، أمام محاولات يائسة للحكومة الجديدة "الهشة لتجد نفسها عالقة داخل مواجهة بين الشرق والغرب، في خضم تنافس محتدم بين ثلاثي القوى العظمى أميركا وروسيا والصين، وجميعهم يتسابقون على النفوذ في هذه الدولة التي تتعافى ببطء من خراب طالها ردحا من الزمن.


لقد استغلت إسرائيل الفرصة وسارعت للتوغل، وعلى هضبة الجولان السورية المحتلة وقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مُنتشيا، ليعلن انهيار اتفاقية فصل القوات بين إسرائيل وسوريا لعام 1974، بحجة انسحاب قوات الجيش السوري من مواقعها، مطالبا قواته بالسيطرة على منطقة جبل الشيخ لضمان أمن سكان بلدات هضبة الجولان ومواطني دولة إسرائيل.


جيوسياسياً وأمام هذا الفراغ، جاء سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024 كنهاية لحقبة دامت عقودا، وأتاح فرصة نادرة لقوى دولية كانت لعقود خارج التأثير المباشر في سوريا، لتسعى القوى الكبرى في ثلاثيتها المتناحرة الأضلاع إلى فرض قواعد جديدة للنفوذ داخل سوريا الجديدة، بإدارة الشرع، الزعيم السابق لهيئة تحرير الشام. والتي وافقت عليه واشنطن التي وصلت لهدفها، مستفيدة من تحوّل القيادة الجديدة في دمشق، التي أعلنت انفتاحها على الغرب، وقطعت فعليا علاقاتها بالمحور الإيراني الروسي، بل وقلص من نفوذ الصين أيضاً، وهو ما تسعى الدول الغربية لاستغلاله عبر تعميق

العلاقات مع دمشق، التي انفتحت بعد الموقف السعودي معها أثناء زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى السعودية ولقاءه مع الشرع، تلاه رفع معظم العقوبات عن سوريا، لم تكن مجرد بادرة رمزية، بل إشارة إلى تأسيس علاقة جديدة محكومة بمصالح متبادلة، ولكنها غير متكافئة.. ورغم البادرة السعودية الكبرى إلا أن الشرع قد "دخل في نظام التبعية الأميركي" لأنه رأى أن ذلك هو "الخيار الوحيد للبقاء في الحكم وتحقيق الاستقرار لنظامه وبلده"، وبالتالي عليه إبقاء


روسيا خارج سوريا، وبالطبع عدم السماح بأي نفوذ صيني"، فموسكو تبحث عن موطئ قدم، والصين تريد الفرص الاستثمارية، وتوسيع نفوذها في سوريا ما بعد حزب البعث، ولا سيما مع سعى الصين إلى إدخال دمشق ضمن مبادرة "الحزام والطريق"، وبالتالي فحاجة سوريا للإعمار يجعلها لا ترفض أي تمويل من الصين أو من دول أخرى تمتلك الموارد المالية، غير أن دمشق التي تسعى إلى ترميم اقتصادها المنهار، تدرك أن بقاءها يعتمد جزئيا على دعم واشنطن، لكنها لا تريد الارتهان التام لها، فإعادة تموضع سوريا ما بعد الأسد، لا تُعد -في نهاية المطاف- إعلان ولاء بقدر ما هي محاولة مدروسة للبقاء في مأمن للنجاة.
د. إبراهيم جلال فضلون
 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!