الوضع المظلم
الأحد ٢١ / سبتمبر / ٢٠٢٥
Logo
مسرحية القمة العربية والإسلامية وخطاب الجولاني الفارغ
د. محمود عباس

ما أبشع نفاق قادة الدول العربية والإسلامية، وما أفظع صمتهم المخزي، سنتان وشعب غزة يُذبح جوعًا وحصارًا، وأطفاله يُساقون دروعًا بشرية بيد حماس، فيما إيران توظّفهم وقودًا لمشاريعها الإقليمية، والتي كانت وراء مجزرة 7 أكتوبر، المؤدية إلى ما يحدث لشعب غزة، ولم يجرؤ أي من القادة على إدانة هذه الجريمة المزدوجة، بشكل مناسب، لم يتحركوا رغم المجازر والاغتيالات التي طالت قيادات حماس في طهران وغزة ولبنان ودمشق، واكتفوا بخطابات جوفاء وخدع دبلوماسية رخيصة.

لكن ما إن قصفت إسرائيل بناية متواضعة في أحد أحياء الدوحة الشعبية عاصمة قطر، حتى هبّوا إلى قمة عاجلة، وراحوا يتبارون في إطلاق تصريحات نارية وتهديدات جوفاء، وكأن المطلوب هو إدانة إسرائيل وحدها، والحقيقة أن الإدانة يجب أن تكون ثلاثية، لإسرائيل التي تواصل سياسة الحصار والقتل، ولحماس التي تضحّي بشعبها وتزج به في أتون الموت، ولإيران التي تتاجر بدماء الفلسطينيين في صراعاتها العبثية، وتركيا التي تهدم احتمالات الهدنة، وجودهم في القمة، وخطاباتهم الصارخة المليئة بالزيف والتحريض الخبيث، لا تذكّر إلا بالمثل القائل، "يقتلون القتيل ويمشون في جنازته" يتباكون على الضحية بألسنة ملطخة بدمها.
إن صمت القادة العرب والمسلمين عن حماس وإيران جريمة لا تقل فداحة عن عجزهم أو امتناعهم عن السعي لوقف الحرب وفرض هدنة مع إسرائيل، بل هو تواطؤ سافر يجعلهم شركاء في ذبح غزة، ويكشف أن القضية الفلسطينية لم تعد سوى ورقة في أسواق المزايدات، بينما الشعب وحده يدفع ثمن النفاق والخذلان.
 وكما قال البائد معمر القذافي يومًا، "الدور جاي عليكم كلكم" وتستحقونها.

كلمة أحمد الشرع في قمة الدوحة، عاصمة قطر، بتاريخ 15/9/2025م، والتي روجت لها خديجة بن قنة بأمرٍ من إدارة قناة الجزيرة، حين وصفتها بأنها «خطاب من خمسين ثانية يُدرَّس في معاهد العلوم السياسية»، لم تكن سوى انعكاسٍ لمستوى الارتزاق الإعلامي، رغم تقديري لها كمهنية في عملها. فما قُدِّم لم يكن أكثر من حبكة إعلامية مصطنعة، بضع جمل منمقة فارغة المضمون، تُشبه صدىً أجوف أكثر مما تشبه خطابًا سياسيًا.
ومع ذلك، فإن ما لم يُقل كان أثقل بكثير مما قيل. فاختصار الكلمة إلى هذا القدر الضئيل لا يُعذر فيه، لا بحجة ضغط الوقت ولا ضيق اللحظة. إذ إن الحدث الذي جمع رؤساء وقادة، والقصف الذي طاول بناية في حي شعبي، والقضية الفلسطينية ذاتها، كانت كلها تقتضي خطابًا يتجاوز جلبة الشعارات الشكلية، لا أن يكتفي بعبارات عامة صقيلة لا تترك وراءها سوى فراغ سياسي جديد.
لكن ما ظهر لدى المتابع أنّ مسار الخطاب قد كُتب أو اجتزئ بموافقة أو على الأقل بتوافق مصلحي مع قوى كبرى، كي لا يزعج حسابات أوسع تُطبخ خلف الكواليس، مهمة دبلوماسية لقطر تُنجز، ومناورات لتطبيع علاقاتٍ إقليمية تُقرَّر بهدوء، وتصفْق لها على طاولات لا تُعرض كاميرات التلفزة عليها، أما الشرع فحُدِّدت خطوطه الحمراء بدقة، لا تجاوزات تثير أمورًا قد تُفتح بها أبواب التدقيق في ماضيه وفي ماضي وزرائه، ولا صياغات تُحرّك الحماس الشعبي السني على نحو يهدّد توازناتٍ إقليمية دقيقة.
الاختصار لم يكن مجرّد عجز أو انضباط زمني؛ بل هو تكتيك سياسي، فالخشية كانت من أن تجرّ كلمة أطول، أو أكثر جرأة، إلى فضح منهجية أيديولوجية متطرفة ترتكز على تجنّب الاعتراف بالآخر وتمييزه، وتحوّل الخطاب من مطلب إنساني إلى دعوة أيديولوجية تستغل معاناة الناس، وتقصر من عمره الزمني في السلطة، لذا طُوِّق الخطاب بصياغات عامة ومصقولة، كي لا تكشف ما في الصدور من مواقف تُجرّم الحوار وتُبرر العنف.
الخلاصة قاسية، ما عُرض للناس كان مسرحيةٍ دبلوماسية تُغطي على حساباتٍ أعمق، وكلمةٌ بهذه المساحة الفارغة، في مساحة هذا الخطر الإنساني، تُقرأ اليوم بوصفها علامةً لا على العجز فحسب، بل على توافقٍ سياسي يصطنع التضامن إعلاميًّا بينما يحتفظ بالصفقات الاستراتيجية خلف الستار.

د. محمود عباس
 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!