الوضع المظلم
الثلاثاء ٣٠ / سبتمبر / ٢٠٢٥
Logo
الكورد أصل الأرض وأكذوبة الهجرة سلاح البعث والجولاني
د. محمود عباس

تستعمل حكومة أبو محمد الجولاني الأسلوب العتيق نفسه الذي مارسه النظام البعثي المجرم البائد، الهجوم على الخصوم والمعارضين، وإلصاق أقذر التهم بهم، كأفضل وسيلة دفاع عن ذاتٍ مهشمة، مطعونة في أيديولوجيتها، وفي علاقاتها الإقليمية، وفي عبثيتها في ممارسة السلطة. فكما جنّد البعث عشرات الكتّاب المأجورين والصفحات الوهمية لتشويه سمعة كل وطني حر، تفعل اليوم أجهزة هيئة تحرير الشام الأمر ذاته، مستخدمةً جموعًا من السذج والغوغاء، تلوك الأكاذيب وتعيد إنتاج الدعاية الرخيصة. المثير للسخرية أنّ النظام البائد والجولاني وأتباعه يلتقون عند نقطة واحدة، محاربة الشعب الكوردي. هناك، يذوب الفارق بين قومية عروبية عنصرية وتكفيرية إسلامية ظلامية، ليتحوّل الطعن في الكورد إلى قاسم مشترك يبرر استبدادهم ويطيل عمر سلطتهم المتهالكة.


ليس غريبًا أنّهم حين تُسدّ أمامهم كل السبل في مواجهة الكورد وحراكهم، يلجأون إلى أسهل الذرائع: التشكيك في وطنية الكورد، ووصمهم بالمهاجرين. إنّه خطاب موروث من ثقافة البعث، مبني على تلفيقات تاريخية بائسة. فبعد دراسات مطوّلة في أقبية المخابرات، ابتدع النظام الأسدي فكرة أنّ الكورد "ضيوف" على سوريا، وأن الدولة السورية ـ التي لا يتجاوز عمرها قرنًا من الزمن، والتي وُلدت بقرار استعماري فرنسي ـ هي من منحتهم حق المواطنة. بل وصل الأمر ببعض أبواقهم إلى القول إنّ الكورد جاؤوا من الهند أو من كوكب آخر، متناسين أو لجهالة بتاريخ قدوم العشائر العربية المتواجدة اليوم في الجزيرة الكوردستانية من منطقة حائل شمال الجزير العربية ما بين عامي 1880 و1910م بعد خسارتهم أمام قبيلة العنزة وقوات آل سعود، وهو ما يدل على جهل فاضح بتاريخ المنطقة قبل ولادة "سوريا اللقيطة" نفسها. هؤلاء يتجاهلون أنّهم هم من ينبغي لهم أن يقبلوا أيادي الفرنسيين والبريطانيين الذين خطّوا لهم حدود "الوطن" الذي يتغنّون به اليوم.


ولم يكتفِ البعث في سنوات الطغيان، بهذا الهراء، بل جنّد كتّابًا منافقين لترويجه، على رأسهم محمد جمال باروت الذي ألّف كتابًا غارقًا في التحريفات، تلقفت قطر ـ راعية الإرهاب والفكر العروبي ـ هذا الطرح، وموّلته مع تركيا، وروّج له مرتزقة أمثال عزمي بشارة وأشباهه ممن باعوا أقلامهم. واليوم، بعد بروز الجولاني كرجل تركيا الأول، أعاد إنتاج الأسطوانة ذاتها بغطاء جديد: لسنا ضد الكورد، بل ضد "قنديل"! والحقيقة أنّ "قنديل" في قاموسهم تعني كل قيادة كورديّة، وكل صوت كوردي مؤثر في الحراك السوري. فهي ذريعة باطلة، وواجهة فاسدة للتعبير عن عدائهم الصريح للشعب الكوردي بأسره.


إنّ أبناء قنديل ليسوا غرباء، إنّهم أبناء كوباني وقامشلو وعفرين، وديريك، وعامودا، والحسكة. وعندما يواجههم أحد بهذه الحقيقة، يعودون إلى حيلتهم القديمة، الكورد "مهاجرون"! وهكذا يسقط قناعهم، وتظهر حقيقتهم العارية بأنّهم لا يقاتلون قيادة بعينها، بل يقاتلون الشعب الكوردي كلّه.


من هنا، على شعبنا في غرب كوردستان أن يكون واضحًا، الدفاع عن سوريا كوطن ديمقراطي خالٍ من البعث والتكفيريين واجب، لكن لا يقلّ عنه واجب رفع شعار الوحدة الكوردستانية الجامعة. فالقنديلي هو نفسه الهوليري، والآمدي، وابن الحسكة، وابن مهاباد، كما أنّ العربي يتحدث عن "الوحدة العربية" دون أن يُتّهم بالانفصال. الكوردي هو ابن كوردستان الكبرى، ووحدته لا تتناقض مع دفاعه عن سوريا حرة لجميع مكوناتها، وطن يتّسع للكورد والعرب والدروز والعلويين والمسيحيين، وطن نقيّ صالح للحياة الكريمة والحرية والعدالة.


وعلى القوى الكوردية، ولا سيما قوى الإدارة الذاتية، والهيئة المنبثقة عن مؤتمر قامشلو، وقوات قسد، أن تعلن بوضوح مواقفها في الدفاع عن المنطقة والقضية الكوردية، وعن مصالح الشعب السوري بكل تنوعاته. فالتهاون في ترسيخ النظام اللامركزي والفيدرالي يعني وأد الديمقراطية في سوريا، وإعادة إنتاج الاستبداد بثوب جديد؛ استبداد غارق في الإرهاب والإيديولوجيا التكفيرية، أخطر بما لا يقاس من الاستبداد القومي العنصري الذي خبرناه لعقود.


ليفانت: د. محمود عباس

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!