الوضع المظلم
السبت ٠٩ / أغسطس / ٢٠٢٥
Logo
  • بين الواقع والمأمول وجهةُ السعودية التاريخية هل تتحقق؟

بين الواقع والمأمول وجهةُ السعودية التاريخية هل تتحقق؟
هدى سليم المحيثاوي

في العام 1927، ومع اشتداد الحصار الخانق والبطش الفرنسي بحق أبناء الثورة السورية الكبرى، خاصةً من جبل العرب، وجد النازحون في المملكة العربية السعودية ملاذاً آمناً أقاموا فيه لسنوات.
الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود ورغم انشغاله آنذاك بتوحيد أنحاء شبه الجزيرة العربية، لم يتوانى عن فتح أبواب أرضه، فاستقبل مئات العائلات النازحة، خاصةً من الدروز، وفر لهم المأوى والحماية في صحراء وادي سرحان شمال المملكة.
لم يستند موقف الملك عبدالعزيز الداعم لاتفاقات جنيف ولا لمفاهيم القومية العربية التي تبلورت لاحقاً، كل ما كان، منظومة أخلاقية متوارثة من قيم العرب، أخرجت موقفاً سابقاً للاتفاقات الدولية وأكثر رسوخاً من دساتيرَ سياسية، قامت على إغاثة الملهوف ونُصرة المُستنجد وعدم المساومة على الظلم.
اليوم، وفي السنة التي يُحتفل بها بمئوية الثورة السورية الكبرى، تقف السويداء ثانيةًً أمام ذات الامتحان: حصارٌ يستهدفُ كسر شوكة الأهالي وإذلال النفوس، ليس من قبل عثمانيين ولا فرنسيين، بل من قِبل سوريين تكبروا وتجبروا، وخالفوا الآية القرآنية الكريمة "وجعلناكم شعوباً وقبائلَ لتعارفوا"ص.
حصارٌ يُطبِقُ خناقه على المدنيين، ليس فقط من خلال قطع الغذاء والدواء والمياه والخدمات الأساسية فحسب، بل وبتكثيف عزل المنطقة عن محيطها، من خلال حملةِ تجييشٍ طائفية، لم يسلم منها حتى التاريخ، ليتم استهدافه بمحاولةِ تشويهٍ لحقائقه.
السويداء – الجبل الذي لم يُهادن ظلمًا، ولم يطعن جارًا، ولم يُبدّل ثوابته. جذوة المقاومة لطالما بقيت دائماً حيةً فيه. وعلى خُطى الباشا، آمن أهالي السويداء واتبعوا دروس نضاله في الوحدة الوطنية بديلاً للطائفية، ولطالما عُرِفَت المحافظة باتزانها ووطنيتها وابتعادها عن المغامرات العبثية، لكنها لم تتوانى عن دفع الظلم ورد العدوان.
وقفت السويداء في وجه العدوان على المحافظات السورية، ورفضت الاشتراك بسفك دماء أبناءهم وامتنعت عن إرسال أبناءها للقتال هناك، وخلال تاريخها، لم تُسجَل بحقها حالةَ اعتداءٍ واحدة على جارٍ أو قريب، ولم نرى سلاحاً يُشهرُ فيها، إلاَ ليحمي الأرض والعرض ويُحامي عن الناس، خاصةً في خضم الهجمة الأخيرة التي استهدفتها في الثالث عشر من شهر تموز-يوليو.
هجمةٌ قامت على فكرةٍ عنصريةٍ "إنت درزي، ليش بعدك عايش"، والرصاصة التي انطلقت على إجابة المُسن: "ياخي أنا سوري"، لم تُصِب قلبه وحده، بل هي نهجٌ أصاب قلب الوحدة الوطنية عميقاً، باستباحة الدماء والأرزاق وكرامات الأهالي.
نهج الحملة هذا، لم يأتِ من فراغ، ولم يكن وليدَ اللحظات، بل سبقَ هجومَ الأرض، حملةُ تجييشٍ طائفية ضد المكون الدرزي، صدَرَها وتصدرها أدوات السلطة الإعلامية، قبل استكمالها بآلاف الحسابات الوهمية بشكلٍ مُنظم، لضرب الوحدة الوطنية والهوية السورية.
هذا النهج وجد بيئته الخصبة مع تعنت السلطة منذ قدومها، ورفضها المُضي في إجراءات بناء الثقة بين مكونات الشعب السوري، وترسيخ أُسس السِلم الأهلي، واستبعاد المكونات السورية بعدم تشكيل حكومة وحدةٍ وطنية أو جيشٍ وطني، إذ اختارت السلطة حكومة اللون الواحد، والنهج الواحد، والخطاب الواحد، مع صم الآذان عن جميع المطالبات التي لم تتفق مع نهجها الأحادي.
موقفُ الملك عبدالعزيز وكما مَثَل للدروز خلال الثورة السورية الكبرى، نقطةَ تحولٍ في لحظةِ ضعفٍ وحصار، استمر في نهجٍ عربيٍ إسلامي، نراه في دعم المملكة للقضايا العربية الإنسانية، وأمام التحدي الذي تواجهه منطقةُ السويداء وحيدة، تترقب أنظار الجبل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، للوقوف بجانب المنطقة المنكوبة، بعد التعدي والهجوم الذي طالها.
لم تطلب السويداء مالًا ولا سلاحًا، لم تسعَ لسلطة، بل طالبت شراكةًً في الوطن، ومساحةً مخصصة لجميع المكونات السورية، أسسٌ طبيعية لن تقوم لدولةٍ قائمة دونها، لكن ما رأيناه، حملةُ تخوينٍ وهجمة اتهاماتٍ لكل مَن نادى بها، استهدفت الوجود والكيان.
إن كان الحرص على مستقبل سوريا وأمنها هو الدافع لتقديم المملكة الدعمَ الاقتصادي الكبير الذي ظهر جزء منه في صيغة العمل لرفع العقوبات عن سوريا، فلابدَ أن يتمثل الحرص على الهوية السورية الممزقة بعد سنوات الديكتاتورية، وتدمير مؤسسات الدولة، إلى مبادرةٍ لا تقلُ في أهميتها وحاجتها عن الدعم الاقتصادي.
إنَ الحاجة للحفاظ على كرامة المواطنين والتصدي للأذى قبل وقوعه عليهم، تسبقُ الحاجة للاقتصاد والمال، وليست المجازرَ بحق الأهالي في الساحل، وأحداث صحنايا وجرمانا، واستكمالُ الصورة السوداء بنكبة السويداء، سوى نتيجةً مباشرة لصم الآذان عن مطالبِ تحقيق السِلم الأهلي وإجراءات بناء الثقة، والتعنت أمام ضرورة ترميم الإنسان قبل البناء.
إنَ الجبل الذي خرج إليكم يوماً، يقبعُ اليوم تحت حصارٍ خانق لن يفك قيده دخول المساعدات الغذائية وحدها، فحالة الشلل التي سببتها النكبة التي حلت بها، جراء سلبِ الأرزاق أو تدمير ما عجزوا عن نهبه، وتشريد أكثر من مئة ألف من الأهالي، بعد حرق ونهب قراهم، تحتاجُ سنواتٍ من التكاتف والعمل لترميمه، ولا أملَ في ذلك في ظل حالة الإنكار التي مازالت تحاول التعمية عن وقوع النكبة.
التعنت، إنكارُ الواقع وتأويله بشماعاتٍ لتبرير الأفعال التي تنطوي على الجرائم بحق المدنيين، كان سبباً بحرمان سوريا بلداً وشعباً من الاستقرار والحياة، وها نحن نراقبُ الموقف ونرى بدايةً لسيناريو عشناه من قبل، خطوةً بخطوة ومرحلة بعد أخرى، سيناريو دمر حياة الأبرياء وحرم الأطفال مستقبلهم وتعليمهم، يجعلنا نترقب دوراً عربياً في المنطقة الجنوبية، ربما يكون طوق النجاة الوحيد، قبل غرق السوريين جميعاً، 
فهل نرى جبل طويق يُعانقُ جبل العرب قريباً؟

ليفانت: هدى سليم المحيثاوي

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!