الوضع المظلم
الثلاثاء ٣٠ / سبتمبر / ٢٠٢٥
Logo
دور الإعلام في تجذير مفهوم المواطنة
نوري بیخالي

يشهد عالمنا اليوم تحولاً جذرياً في طرق التواصل والحصول على المعلومات، حيث أصبحت وسائل الإعلام التقليدية ومنصات التواصل الاجتماعي تلعب دوراً محورياً في تشكيل الوعي المجتمعي وترسيخ قيم المواطنة. هذا التأثير المتزايد يحمل في طياته إمكانيات هائلة لبناء مجتمعات أكثر تماسكاً ووعياً، كما يطرح تحديات جديدة تتطلب التعامل معها بحكمة ومسؤولية.

تساهم وسائل الإعلام بشكل فعال في ترسیخ المواطنة وتعزيز الهوية الوطنية وذلک من خلال تسليط الضوء على التراث الثقافي والإنجازات الحضارية، مما يعمق انتماء المواطنين لوطنهم. كما تلعب دوراً تعليمياً مهماً في نشر الوعي بالحقوق والواجبات المدنية، وتوضيح آليات المشاركة في العملية الديمقراطية من خلال برامج التوعية والحملات التثقيفية.

على صعيد المساءلة، تمارس وسائل الإعلام رقابة شعبية على أداء المؤسسات الحكومية، وتكشف عن قضايا الفساد وسوء الإدارة، مما يعزز مبادئ الشفافية والمحاسبة. هذا الدور الرقابي يساهم في بناء ثقة المواطنين في النظام الديمقراطي ويحفزهم على المشاركة الفعالة في الحياة السياسية والاجتماعية.

ومن جانبها، فتحت منصات التواصل الاجتماعي كفضاءات للمشاركة المدنية آفاقاً جديدة أمام المواطنين للتعبير عن آرائهم والمشاركة في النقاش العام بطريقة لم تكن متاحة من قبل. هذه المنصات تتيح للأفراد تنظيم الحملات التوعوية، والمشاركة في الحوار السياسي، وتبادل الأفكار حول القضايا المجتمعية المختلفة.

كما تساهم في تعزيز العمل التطوعي وتنظيم المبادرات المجتمعية، حيث تسهل التواصل بين الأفراد ذوي الاهتمامات المشتركة وتمكنهم من تنسيق جهودهم لخدمة المجتمع. هذا التفاعل الرقمي ينمي روح المسؤولية الاجتماعية ويعمق مفهوم المواطنة الفعالة.

لکن رغم الإمكانيات الهائلة، تواجه وسائل الإعلام ومنصات التواصل تحديات جدية تهدد دورها الإيجابي في ترسيخ المواطنة. من أبرز هذه التحديات انتشار الأخبار المضللة والمعلومات المغلوطة، التي تؤثر سلباً على قدرة المواطنين على اتخاذ قرارات مدروسة ومبنية على حقائق صحيحة.

كذلك، قد تؤدي هذه الوسائل إلى تعميق الانقسامات الاجتماعية من خلال خوارزميات تعزز التحيز التأكيدي، حيث يتعرض المستخدمون لمحتوى يؤكد معتقداتهم المسبقة فقط، مما يقلل من فرص الحوار البناء والتفهم المتبادل.

ولضمان استفادة قصوى من قوة الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي في ترسيخ المواطنة، يجب تطوير برامج تعليمية شاملة للمواطنين حول كيفية التعامل مع المعلومات الرقمية والتمييز بين المصادر الموثوقة والمشكوك فيها. هذا التعليم الإعلامي ضروري لبناء مجتمع واع وقادر على المشاركة الفعالة في الحياة الديمقراطية.

من ناحية أخرى، تحتاج وسائل الإعلام نفسها إلى الالتزام بأعلى معايير المهنية والأخلاق، مع التركيز على تقديم محتوى متوازن يعكس تنوع المجتمع ويعزز قيم التسامح والحوار البناء. كما يجب على المنصات الرقمية تطوير آليات فعالة لمكافحة المحتوى المضلل والخطاب التحريضي.

إن دور الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي في تجذير مفهوم المواطنة يتطلب توازناً دقيقاً بين الاستفادة من الفرص الهائلة التي توفرها هذه الوسائل والتعامل الحكيم مع التحديات التي تطرحها. النجاح في هذا المسعى يتطلب تضافر جهود جميع أطراف المجتمع - من صناع السياسات إلى المهنيين الإعلاميين وصولاً إلى المواطنين أنفسهم - لبناء بيئة إعلامية صحية تخدم أهداف التنمية المجتمعية وتعزز قيم المواطنة الفعالة والمسؤولة.
 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!