-
سوريا بين الوهم والإصلاح: معركة البقاء بين التفرقة والبحث عن الدولة
تقف سوريا اليوم أمام مفترق طرق حاسم، حيث يُعبّر المشهد السياسي والعسكري عن تباين عميق بين من يسعى للحفاظ على استمرارية النظام القائم، ومن يطمح إلى إحداث تغيير جذري يعيد للأمة السورية وحدتها وسيادتها. ففي الوقت الذي تتواصل فيه معارك إدلب وتخضع حلب لأطلالها، تُظهِر السلطة في دمشق وإدلب نفس الوجه المتمسك بالمظهر الزائف للإصلاح، مُكرسة ثقافة العنف والفساد تحت شعارات المصالحة والمقاربة المدنية.
وفي قلب هذا المشهد، يقف أحمد الشرع، الملقب سابقًا بأبي محمد الجولاني، الذي حولته أيديولوجيته من جهادي متطرف إلى شخصية تتناغم مع مصالح النظام، مدعومًا بميراث من الإرهاب والتآمر. فحركاته ليست إلا تكتيكات للبقاء، ومحافظة على الهيمنة عبر الاستمرار في استخدام أدوات القمع والتخويف، دون أن تتغير الأسس العميقة لعمله.
أما على النقيض، فيبرز رجل عسكري محايد، هو العميد مناف طلاس، الذي يقترح تشكيل مجلس عسكري انتقالي وطني، بهدف توحيد جهود المعارضة والمنشقين، والعمل على إعادة بناء الدولة عبر مؤسسات حقيقية وخاضعة للمساءلة، بعيدًا عن الطابع الميليشياوي والتبعية الخارجية. يُمثل طلاس صوتًا يعكس خيارًا واقعيًا لتغيير الظروف، ويدعو إلى نظام علماني يُعلي مصلحة السوريين، ويعترف بجرائم الماضي، ويسعى لسلام داخلي وعدالة انتقالية.
وفي ظل استمرار تأجيج الصراعات الإقليمية والدولية، وتداخل مصالح القوى الكبرى، تظهر سوريا كأنها ساحة للنفوذ والإرهاب، حيث تتلاشى السيادة الوطنية، وتتحول البلاد إلى سوق لتبادل النفوذ، تُوظف فيه الطموحات الدولية لمراكمة المكاسب على حساب الشعب السوري.
لكن، وسط الظلام، تبقى إرادة الحياة قائمة، ويُثبت السوريون من جديد أن استمرار المقاومة والكفاح هو السبيل الوحيد للخروج من مستنقع اليأس، عبر إعادة بناء المؤسسات، وتحقيق العدالة، وإنهاء حالة الفوضى التي زرعها سنوات الحرب.
وفي النهاية، يبقى السؤال الأهم أمام المجتمع الدولي: هل يختار الاستمرار في الإنكار والتردد، أم يضع يدَه على جدار الأمل ويبدأ بمعاودة بناء سوريا، بلد الخير والمستقبل؟ فالتاريخ لن يذكر من سيطر على إدلب، بل من استطاع أن يعيد رسم ملامح الدولة، ويعيد الأمل لشعبها.
المصدر: foreignpolicyblogs
