الوضع المظلم
الجمعة ١٩ / ديسمبر / ٢٠٢٥
Logo
  • إمبراطورية الظل: كيف حوّل نظام الملالي أمريكا الجنوبية إلى قاعدة متقدمة لمشروعه التوسعي؟

إمبراطورية الظل: كيف حوّل نظام الملالي أمريكا الجنوبية إلى قاعدة متقدمة لمشروعه التوسعي؟
سامي خاطر

مدخل: مخالب تمتدّ عبر القارات

لم يعد نفوذ نظام الملالي مقتصرًا على الشرق الأوسط، ولا عاد خطره حدثًا محليًا يمكن احتواؤه بالبيانات الدبلوماسية. اليوم، يكشف النظام الإيراني عن وجهٍ آخر من مشروعه التوسعي: التوغّل العميق داخل أمريكا الجنوبية، وبالأخص فنزويلا، التي تحوّلت خلال السنوات الأخيرة إلى ما يشبه قاعدة عمليات استراتيجية تخدم أجندته العابرة للحدود.

إنّ ما يدفع طهران إلى أمريكا اللاتينية ليس مجرد بحث عن حلفاء، بل هو سعي حثيث لإنشاء جبهة جيوسياسية بديلة تلتفّ بها على العقوبات الدولية، وتُبقي أدواتها العسكرية والاستخباراتية في متناول اليد، بعيدًا عن أعين القوى الغربية.

طهران – كاراكاس: تحالف الضرورة والمصالح السوداء

العلاقة بين النظام الإيراني ونظام نيكولاس مادورو ليست تحالفًا عاديًا، بل هي شبكة ثنائية من المصالح المظلمة.

فـفنزويلا، المنهكة اقتصاديًا والمعزولة سياسيًا، فتحت أبوابها أمام طهران مقابل النفط، والوقود، والخبرات التقنية، وحتى المعدات العسكرية.
وفي المقابل، وجد الملالي في كاراكاس ملاذًا جغرافيًا يسمح لهم بالتموضع في الخاصرة الجنوبية للولايات المتحدة، وتوسيع نشاطاتهم عبر القارة.

لقد تحوّلت المطارات الفنزويلية إلى ممرات شبه آمنة لرحلات غامضة قادمة من طهران. وتحدّثت تقارير استخباراتية عديدة عن عمليات تهريب، وغسيل أموال، وتجارة غير مشروعة مرتبطة بعناصر من الحرس الثوري الإيراني وميليشياته.

الحرس الثوري في القارة الجديدة: حضور غير بريء

من أخطر مظاهر التمدد الإيراني في أمريكا اللاتينية هو الوجود المتنامي لـ الحرس الثوري وميليشياته، وعلى رأسها حزب الله اللبناني الذي وجد في فنزويلا والبرازيل والباراغواي بيئة خصبة لتنشيط عملياته المالية والعسكرية.

التقارير الغربية تشير إلى أنّ النظام الإيراني يستخدم شبكة واسعة من الجمعيات، والمراكز الثقافية، ومسارات التجارة المشروعة والمشبوهة معًا، لتوفير غطاء لأنشطته.

وتكمن الخطورة في أنّ هذه الشبكات لا تعمل فقط كقنوات تمويل، بل أيضًا كنقاط تجنيد وتدريب وتخطيط لعمليات خارجية.

هذه ليست ادعاءات سياسية؛ بل هي وقائع موثقة في ملفات قضائية أمريكية وأوروبية، تكشف تنسيقًا متقدّمًا بين طهران وشبكات الجريمة المنظمة في القارة.

اقتصاد الظل: تهريب الذهب… وغسيل الأموال

من بين أخطر الملفات المرتبطة بالتغلغل الإيراني في فنزويلا هو ملف الذهب الفنزويلي الذي يُنقل بكميات كبيرة عبر طرق سرية إلى خارج البلاد، حيث تشير تقارير دولية إلى أنّ جزءًا منه ينتهي في إيران، مقابل تزويد نظام مادورو بالوقود والدعم التقني.

كما توسّعت أنشطة غسيل الأموال عبر شبكة معقّدة تضم تجار مخدرات ومسؤولين فاسدين، في منظومة تخدم الطرفين:

مادورو يحصل على المال ونقاط القوة.

والملالي يحصلون على القنوات التي يحتاجونها للالتفاف على العقوبات والتمويل الخارجي.

إنّها شراكة في الظلّ لا تقوم على القانون، بل على البقاء والنجاة.

ماذا يريد الملالي من هذه القارة البعيدة؟

من منظور استراتيجي، يتعامل النظام الإيراني مع أمريكا الجنوبية باعتبارها:

منصة لوجستية لعمليات الحرس الثوري وحزب الله.

وصولًا جغرافيًا خطيرًا إلى المجال الحيوي الخاص بالولايات المتحدة.

ممرًا اقتصاديًا يسمح بالتحايل على العقوبات وتدوير الأموال.

نقطة ارتكاز لتوسيع نفوذ أيديولوجي وثقافي عبر مؤسسات تغطي أهدافًا استخباراتية.

بيئة خصبة لبناء تحالفات مع أنظمة استبدادية تشبهه وتعادي الغرب.

الخاتمة: الخطر الذي يتشكّل بصمت

إنّ تغلغل نظام الملالي داخل أمريكا الجنوبية ليس حدثًا معزولًا، بل هو مشروع إمبراطوري يأخذ شكلاً جديدًا بعيدًا عن الرقابة التقليدية. لقد وجد النظام الإيراني في القارة الجنوبية ما لم يجده في الشرق الأوسط:

مساحة واسعة للتمدد، وحلفاء ضعفاء يحتاجون لدعمه، وبيئة يمكن اختراقها بسهولة.

وكلما تأخّر العالم في مواجهة هذه الشبكات، ازدادت قدرة طهران على بناء إمبراطورية ظل تمتد من طهران إلى كاراكاس، ومن هناك إلى ما لا يمكن توقعه.

ليفانت: د. سامي خاطر أكاديمي وأستاذ جامعي

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!