-
استشراف مخرجات الدوحة بعيون عراقية

عند الساعة الثالثة وست وأربعون دقيقة عصراً بتوقيت الدوحة، يوم التاسع من سبتمبر 2025، ضربت عشر طائرات حربية إسرائيلية مبانٍ سكنية شرقي العاصمة القطرية "الدوحة". في تلك المباني كان قادة حركة المقاومة الفلسطينية "حماس" والولايات المتحدة، يجرون محادثات ساخنة تخصُّ صفقة اطلاق الرهائن الإسرائيليين ووقف الإبادة الجماعية التي تمارسها تل ابيب في قطاع غزة.
الوسيط القطري كان وما زال يلعب دور وساطة شبه مستحيلة، بسبب تقلُّب مزاج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على ساعة مواقف السياسة الداخلية لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو. لولا المرونة السياسية للدوحة التي لعبت كساعة "بيغ بين" دبلوماسية لهذه الأزمة، لتعطَّلت عقارب الحلول لها في الأجندات الدولية.
ستة شهداء، خمسةٌ منهم فلسطينيون والسادس قطري. لكن الشهيد السابع الذي لم يجرؤ أحد على ذكره كان "السلام في الشرق الأوسط". مجلس الأمن اعترف ضمنياً يوم الحادي عشر من سبتمبر، بأن إسرائيل هي أشبه ما تكون بمجال مغناطيسي يُعطِّل ساعات الحل الدبلوماسية.
اصدر هذا المجلس بياناً مغناطيسياً صاغتاه لندن وباريس، عطَّل إدانة إسرائيل بشكلٍ صريح "لم يذكر إسرائيل في البيان الذي وافقت عليه كل الدول الأعضاء البالغ عددها 15". بكين وموسكو كانتا شديدتين نسبياً في الإدانة. أمّا الولايات المتحدة فما زالت تروّج لعدم علمها بالضربة الإسرائيلية. ربّما كانت قاعدة العديد الأمريكية، الموجودة على الأراضي القطرية تمارس اليوغا بشراً ورادارات.
موقف رئيس القمة العربية
دعا رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، والذي تشغل بلاده حالياً موقع رئيس القمة العربية، إلى عقد "قمة عربية طارئة" بعد الاعتداء الإسرائيلي على الدوحة. دعا لذلك يوم العاشر من سبتمبر، أثناء "اتصال هاتفي مع أمير دولة قطر تميم بن حمد آل ثاني".
الرئيس نصح الأمير باستثمار "اجتماعاتِ الجمعيةِ العامةِ للأمم المتحدة في نيويورك" في سبتمبر الجاري. ورغم المزاج المُحبط عربياً من إمكانية الرد على "أريحية" العدوان الإسرائيلي. إلَّا أن بغداد وجدت أن رقبة الرد العربي قادرة على أن تكون طويلة "لا يوجد ما يمنع أن يكون للدول الإسلامية تحالف في شكل قوة أمنية مشتركة للدفاع". بحسب حديثٍ متلفز له يوم الرابع عشر من سبتمبر.
الرئيس السوداني فسِّر العربدة الجوية لإسرائيل يوم التاسع من سبتمبر، بأنها تتماشى مع "استخفاف الحكومة الإسرائيلية بكل شيء، وما يحصل في غزة طيلة أكثر من عامين من قتل ممنهج".
وزراء خارجية الدول العربية والإسلامية من المحتمل أنهم قد انتهوا، حتى قبل نشر هذه السطور، من إكمال التحضيرات لاجتماعٍ "مغلق في العاصمة القطرية الدوحة". تمهيداً للقمة العربية الإسلامية الطارئة يوم الخامس عشر من سبتمبر. بحسب ماجد الانصاري اللِسان الرسمي للخارجية القطرية، يوم الرابع عشر من سبتمبر.
جمال رشدي اللِسان الرسمي لأمين عام جامعة الدول العربية، رسم بدوره قمة الدوحة بالخطوط العريضة التالية "تحمل رسالة تضامن كامل مع دولة قطر في مواجهة الاعتداء الغاشم والجبان الذي نفذته قوات الاحتلال الإسرائيلي".
الأدمغة التي تمارس التحليل السياسي في العراق، سياسيوه، الأكاديميون ومستشارو الحكومة، تفاوتت توقعاتهم عن قمة الدوحة، وعن الموقف الأمثل الذي يجب أن تلعبه بغداد.
موقف موحد ولكن
السياسي اثيل النجيفي، وجد بأنَّ قمة الدوحة ستوفِّر "فرصة للعراق بالوقوف بشكلٍ أقوى ضد إسرائيل". أمّا المحلل السياسي زياد العرار فقد توقع أن "يكون موقف العراق مميزاً" في القمة. العرار فسَّر توقعه "المعطيات تقول أن العرب أمام موقف هام ومنعطف خطير، يُحتِّم عليهم اتخاذ خطوات عملية مهمة".
العرار لم يجعل "الموقف المميز" حكراً على بغداد، بل أضاف لاعبين آخرين كالقاهرة والرياض، إلى فريق الأداء الممتاز في الدوحة "الجميع استشعر الخطر، وواضح أن عربدة الكيان الإسرائيلي ستجبر العرب على اتخاذ قرارات صعبة".
هادي جلو رئيس رابطة المحللين السياسيين، ذهب إلى أن أداء بغداد لن يكون فردياً وإنما لعب جماعي وفق الأجندة العربية " العراق سيكون متضامناً كبقية الدول المشاركة في القمة". أمّا المحلل السياسي حمزة مصطفى فقد رأى بأنَّ الأداء القطري للعراق سيكون ذو بعدٍ رسمي "العراق يرأس القمة العربية لهذه الدورة، وهو بالتالي داعم لكل القضايا العربية بلا حدود. لذلك سيكون للعراق موقف قوي. وقد عبَّر رئيس الوزراء محمد شياع السوداني عن ذلك في مواقفه وبياناته، وكذلك وزارة الخارجية العراقية".
سياق حديث المحلل السياسي وائل الركابي، جاء متوافقاً مع النكهة الرسمية لرأي حمزة مصطفى. ذهب الوائلي إلى أن العراق سيتخذ موقفاً متماشياً مع خطِّه الرسمي وضوابطه الدستورية "العراق داعم لقطر ولكل الدول التي تتعرض إلى عدوان من الكيان الصهيوني، وهذا موقف رسمي ودستوري ينطلق من المواد الدستورية للدولة العراقية".
مجاشع التميمي الأكاديمي والمحلل السياسي، رجَّح ظهور الأداء السياسي للعراق بالشكل التالي "في الخطاب الرسمي سيظهر بموقفٍ متماهٍ مع الإجماع العربي، حفاظاً على صورة التضامن العربي والإسلامي". وعن إمكانية أن تقوم بغداد بتنفيذ إجراءات عملية قد تُقرِّرُها القمة، علَّق التميمي "إنَّ اتخاذ قرارات فعلية على الأرض يظل معقداً؛ إذ إن السياسة العراقية محكومة بتوازنات دقيقة بين ضغوط واشنطن ونفوذ طهران".
مخرجات القمة
رمضان البدران الأكاديمي والمحلل السياسي، وضع قمة الدوحة في هذا الإطار "القمة العربية الإسلامية في قطر هي مطلب طبيعي، وهي أقرب للمطلب السياسي والدبلوماسي أكثر منه للمطلب الإجرائي". وعن نوعية مخرجات القمة التي توقعها البدران "بيانات تلبي الحاجة الدبلوماسية والسياسية. بيانات إدانة واستنكار".
حمزة مصطفى من جانبه وضع شرطاً أساسياً لكي تنتج فائدة عملية عن القمة "يتوقف على جدية الدول العربية والإسلامية في التعامل مع هذا التطور الجديد في العلاقة مع إسرائيل". استخدم مصطفى بعدها قطاع غزة كورقة عباد الشمس في اختبار نتائج القمة "إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار ما فعلته إسرائيل في القطاع الذي تكاد أن تُبيده بالكامل؛ فإنَّ ذلك لم يدفع العرب والمسلمين مجتمعين لاتخاذ أي موقفٍ يرتقي إلى مستوى هذه المأساة الإنسانية".
مصطفى توقَّع بأن مخرجات القمة ستكون مليئة بمواقف "داعمة وساندة". لكنه عاد ليطرح شكَّاً عميقاً بقيمتها العملية "هل ترتقي هذه القرارات إلى مستوى المسؤولية الكاملة، بحيث من الممكن أن يعيد الكيان الإسرائيلي حساباته أو حتى أمريكا الداعمة الأكبر له؟ أنا أشك بذلك".
هادي جلو رأى أن القمة ستخرج ببيان "تضامن وستكون هناك مواقف تأييد لقطر، تدعم موقفها". رفض جلو بعدها، قُدرة مخرجات الدوحة على ردع سلوك تل ابيب تجاه المنطقة العربية "لن يؤثِّر ذلك مطلقاً في نوايا اسرائيل وسلوكها العدواني، وإصرارها على تحقيق أهدافها بشكلٍ كامل في الشرق الاوسط".
مجاشع التميمي لجئ بدوره إلى حدث السابع من أكتوبر عام 2023 كعدسة مُكبِّرة لتوضيح طبيعة توقعاته عن مخرجات القمة "أستبعد أن تُنتج قمة الدوحة مخرجات عملية قابلة للتنفيذ، لأن ما حصل بالدوحة لا يعني شيئاً أمام ما يحصل في غزة ولبنان وسوريا وحتى اليمن".
التميمي وجد إن القمة ستُنتج على الأغلب "بيانات دعم وتضامن، تعكس الموقف السياسي والإعلامي أكثر من كونها إطاراً لقرارات إلزامية. لأن الولايات المتحدة تفرض سيطرتها على المنطقة".
رمضان البدران وفيما يتعلق بوزن قمة الدوحة، نصح باستخدام الميزان الإسرائيلي "قطر ليست هي المستُهدف الأول في الهجوم الإسرائيلي بل الفريق الفلسطيني. والآخره و محاولة اجهاض إسرائيل لأي حالة تفاوضية بين أمريكا والجهات المعادية لها".
البدران وضع المزيد في الميزان "الهدف، إبعاد أمريكا وأي فُرص لتلاقي أمريكي مع حماس. كذلك إسرائيل لديها خطة تريد تنفيذها، قبل أن تنتهي أمريكا إلى اتفاقاتٍ مع جهات أخرى بما فيها حماس". وخلص البدران إلى أن ذلك "جزء من مخطط إسرائيلي أكثر مما له علاقة بقطر أو بجهود الوساطة التي تلعبها".
تأثيرات واشنطن وإيران
رفض وائل الركابي أن يكون لعلاقات العراق الحساسة مع واشنطن وطهران أي تأثير، على موقف العراق في الدوحة. رفضهُ جاء في السيناريو التالي " لا يوجد تأثير للعلاقة مع واشنطن سواء إن كانت العلاقة جيدة أم لا. أو إن كانت أمريكا ستنزعج أو سيُفرح موقفه الجمهورية الإسلامية في إيران. هذا موقف مستقل للدولة العراقية، لا علاقة له بالتأثيرات الخارجية".
اثيل النجيفي، استبعد كذلك قُدرة واشنطن على فرض الضغوط على بغداد "لن تستطيع توجيه أي ضغط على العراق في ظل موقف إقليمي منزعج كثيراً من دعم الولايات المتحدة لإسرائيل". إمّا مجاشع التميمي فقد بيَّن أن ثقل "الحسابات الداخلية" العراقية تجعل أي قرار خارجي "مرتبطاً بحساسية ميزان القوى الإقليمي والدولي، وفق مبدأ التوازن السياسي والتوافقات السياسية التي تحكم البلاد" .
التميمي وعن إمكانية تحمُّل بغداد لاشتراطات واشنطن وطهران عموماً، خلُص إلى النتيجة التالية "العراق ليس لديه ما يُمكِّنُه من الضغط، بسبب أزماته الداخلية وهشاشة النظام السياسي العراقي". أمّا هادي جلو فقد استبعد أولاً قُدرة العدوان الإسرائيلي على الدوحة، من التأثير على "طبيعة العلاقة القطرية الأمريكية".
توقَّع جلو بأنَّها ستعود "لطبيعتها حتماً فالجميع يعلم أن هذه المرحلة لا يمكن فيها تحقيق مكاسب لأحد على حساب التحالف الإسرائيلي الأمريكي". وعن موقف واشنطن من العراق في قمة الدوحة، علَّق "لن تكون مهتمة بطبيعة المواقف، لأنها متفاهمة ضمناً مع الدوحة. وموقف العراق مهما كان لن يختلف عن موقف الدول العربية التي تربطها علاقات طبيعية مع واشنطن".
المحلل السياسي حمزة مصطفى خلُص إلى أن موقف العراق القطري سيكون بيتاً خالياً من النوافذ الإيرانية والأمريكية " العراق لديه علاقات جيدة مع الولايات المتحدة وإيران ولكن لا علاقة لهذه بتلك؛ فالمواقف العراقية سيادية على هذا الصعيد".
رمضان البدران استبعد بدوره قُدرة العدوان الإسرائيلي على الدوحة، من تعطيل دور الوساطة والدبلوماسية الذي تقوم به العاصمة القطرية في ملف غزة، والسبب "لا توجد بدائل عند العرب أو الفلسطينيين".
ليفانت: مسار عبد المحسن راضي
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!