الوضع المظلم
الجمعة ١٩ / ديسمبر / ٢٠٢٥
Logo
الدمشقيين وموقفهم السياسي .. بين المعارضة والتأييد
مهند الشالاتي

لطالما كان الدمشقيين في مرحلة الإستقلال والجمهورية الأولى القاعدة والمحرك الأساسي لتوجهات الدولة السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية ، وبعد عقود النسيان واللامبالاة السياسية عند أهل العاصمة ، عادت التركيز على دمشق وأهلها في محاولة لكل طرف من الأطراف السياسية على الساحة السورية تطويع الموقف السياسي للدمشقيين بما يخدم إتجاهاتهم ولا يخفى على أحد وجود حالة من عدم الرضى لدى الدمشقيين على السلطة الجديدة التي همشتهم وإستمرت في إستملاك أراضيهم الجائر وهذا ما جعل السلطة تشعر أن أهل العاصمة غير راضيين بشكل كامل عن أدائهم ونهجهم مما دفعهم لمحاولة الإقتراب من المجتمع الشامي وتطييب خاطره عبر مبادرة لمحافظة دمشق للقاءات أكبر مع المجتمعات المحلية داخل دمشق وكان أخر هذه اللقاءات هو إجتماع رئيس الجمهورية بوفد من أهالي دمشق عشية ذكرى التحرير .

فهنالك حالة إستقطاب حول الموقف السياسي للدمشقيين من المشهد السوري سواء من المعارضة أو السلطة وأخر هذا الإستقطاب كان منشور مستشار رئيس الجمهورية موفق زيدان فقد أستغل إحتفال أهالي العاصمة بسقوط النظام وحوله إلى إستفتاء وطني دمشقي مؤيد للسلطة وهذا غير صحيح ، وبكل تجرد ، أهالي دمشق لا نريد أن نبالغ إن قلنا أنهم أكثر الفرحين بسقوط النظام ولكن ليس هنالك ولاء مطلق أو أعمى للسلطة الجديدة لأنه يوجد حالة من المراجعات عند أهل المدينة حول الماضي فهم برأيهم لا يريدوا أن يكرروا أخطاء الماضي ولو أنهم ليس السبب المباشر وغير المباشر لمجيئ البعث إلى السلطة وحتى ولو كانت السلطة ذات طابع سني لأن أساس الصراع السياسي بعد الإستقلال هو صراع طبقي بين الريف والمدن الزراعية والمدن الكبرى وليس صراعا طائفيا بالمطلق لأن البعث بالأساس جاء بتحالف الريف السني مع الريف العلوي بل وكان الريف السني أكثر تعصبا للبعث وكان إنقلابا فاشيا على الحكم الوطني الذي كانت تشكل دمشق وحلب وحمص وحماه أساسه السياسي والإقتصادي والإجتماعي والثقافي .

وبعد إستلام البعث السلطة عاش المجتمع الدمشقي حالة من الإغتراب السياسي وصلت إلى حد اللامبالاة السياسية وراحوا  يصبوا معظم إهتمامهم بالإقتصاد ، وأصبحت تجارتهم تحت تسلط البعث الجائع لسنوات طويلة ، وتقريبا بفترة الثمانينات كان أغلب المعتقلين السياسيين من دمشق بينما كانت بعض المحافظات والأرياف السنية عصب النظام وجزء من منظومته الإجرامية ، أطراف المعارضة اليوم تحاول الإستثمار الإعلامي بحالة عدم الرضى عند أهل دمشق بسبب تهميشهم ومحاولة ملئ مؤسسات الدولة بنفس الطريفة التي ملئ بها البعث مؤسسات الدولة أي إبعاد الوطنيين وزج الولاءات ، وكل منهم أي السلطة والمعارضة تحاول أن تقول أن موقف الدمشقيين هو موقف داعم لنا والحقيقة على معارضة السلطة الحالية أن تفهم أن موقف أهالي دمشق ليس معارضا للدولة ومسيرة بنائها ولوحدة أراضيها وإنما معارضا لنهج السلطة في بعض المؤسسات ومحاولات فرض الإيديولوجية و للأليات البعثية التي تتبعها في جميع المؤسسات ومراكز صنع القرار، إذا هي معارضة للنهج وللإيدلوجية وليست معارضة لوحدة البلاد وشفائها من جراحها الأليمة .

أما السلطة فقد لاحظت عدم رضى أهالي دمشق عن سلطتهم فحاولت في الشهر المنصرم إعادة الروابط مع أهالي دمشق عن طريق مبادرة أطلقتها محافظة دمشق مع المجتمعات المحلية في المدينة ولكن لم يكن سوى لقاءات مع شيوخ المدينة وجاء لقاء الشرع مع وفد من أهل دمشق في ذكرى التحرير بمحاولة منه لترميم هذه الحالة من عدم الرضى لدى أهل العاصمة فحاول فريقه إستغلال نزول أكثر من مليون دمشقي إلى الساحات ليقول لمعارضته أنتم كاذبون أهل العاصمة مؤيدين لي وفي الواقع أنهم فرحين بسقوط النظام فهو إحتفال للتحرير وليست مسيرة مؤيدة للسلطة بل رسالة أرادوا إيصالها للداخل والخارج ، نحن هنا ندعم بناء دولة العدل والقانون والحرية والمواطنة والكفاءة والمدنية ، ويعبرون أهالي المدينة عن رضاهم في التحسن الطفيف على المستوى الخدمي فلا حاجة للإستقطاب الشعبوي لموقفهم ، وقد إجتمع الشرع بوفد من أهالي المدينة عشية الإحتفال في 8 ديسمبر.

 وكان أبرز المقطتفات من هذا اللقاء هو حالة تسطيح مطالب أهل المدينة بأن كل إنزعاجهم هو من الغرباء و "لبت لبت" ، فإنزعاجهم ليس من التهميش لنخبهم ومثقفيهم في مؤسسات الدولة والإعتماد على السلفيين والولاءات بدلا من الكفاءات وحتى في اللقاءات التركيز على رجال الدين بدلا للنخب ، وليس مشكلة الإسكان فأكثر من 50 ٪ من أهالي دمشق يضطرون للعيش في الأرياف على عكس باقي المحافظات اللذين يسكنون مدينتهم ، وليس الإستمرار بإستملاك الأراضي ، لكن برأي السلطة أن أهل العاصمة منزعجين من لبت لبت والغرباء وهم من إعتادوا على الغريب لألاف السنين فهم أكثر من يعرف كيف يعامل الغريب الذي يبادلهم المحبة والإحترام ، وليس إنزعاجهم من تغلغل السلفيين في جوامعهم والتدخل في الحريات الشخصية وكما هو معروف أن أغلب أهل السنة في المدن السورية هم أشاعرة وصوفيين ، وليس إنزعاجمهم من أدلجة المدارس التي يصعد طلابها الأطفال على المنصات ويصدحون بالميكرفونات بشعارات إيديولوجية في الوقت الذي من المفترض أن يتعلموا فيه الفنون والأداب والتفكير المنطقي والنقدي ، فلا يجوز إختصار عدم رضاهم بموضوع سطحي كموضوع الغرباء ، وجاء في كلام الشرع أن أهل الشام يصبرون على الظلم أكثر من غيرهم للحفاظ على المكتسبات وهذا فيه إجحاف كبير لأن دمشق هي من أوائل المدن الثائرة وبالتأكيد يعرف الرئيس الشرع أن العاصمة هي حصن الديكتاتور عبر التاريخ وأن سقوط العاصمة عسكريا يكون بتفاهمات وإتفاقات دولية كما حصل معه وصرح بأن الإتفاق والتنسيق كان مع الروس لدخول العاصمة ، وليس هذا صبر على الظلم وإنما حالة من اليأس شابت الملف السوري المقعد بالكثير من اللاعبين والفاعلين الإقليميين والدوليين ، ولا يمكن نسيان أن دمشق أحتضنت المهجرين من كل المحافظات إنسانيا وأخلاقيا ووطنيا .

وفي الخلاصة موقف الدمشقيين السياسي هو داعم للدولة الوطنية معارضا لنهج السلطة الإقصائي والإيديولوجي ، وكم كانت دمشق دائما هي أم وحضن دافئ لكل السوريين ستبقى كذلك وسيبقى أهلها محبين وهم المشهود لهم بلطفهم وكرمهم فهي التي تذوب فيها كل العصبيات وتضمحل بها كل الإيديولوجيات ، فكانت وستبقى الشام هي المقصد والسبيل والبوصلة الوطنية التي تجمع كل أبناء الوطن الواحد .

ليفانت: مهند الشالاتي

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!