الوضع المظلم
الأحد ٠٧ / سبتمبر / ٢٠٢٥
Logo
الهواء يكذب الغطاس أيضاً
أسامة هنيدي

من يتابع وسائل الإعلام السورية وغالبية وسائل الإعلام العربية حقيقة سيدهش ( سيما إذا كان من أهل مكة الذين هم أدرى بشعابها) من حجم التجييش الإعلامي والقوالب الجاهزة التي يراد من خلالها شيطنة الطرف الذي يعرقل أو يعطل انفتاح هذه الدول ومصالحها في سوريا ودفاعها عن أسطورة وحدة البلاد السورية وسلامة أراضيها والذين يرون في الجولاني أو أحمد الشرع ( ضامنا) لها.

فبعد الثالث عشر من تموز الفائت وما شهدته محافظة السويداء من مجازر راح ضحيتها أكثر من ألفي شهيد وست وثلاثين قرية محروقة ومدمرة وما يزيد عن مئة وثمانين ألف نازح من تلك القرى وأكثر من مئة إمرأة مغيبة قسرا يطالعنا الإعلام العربي بسردية تحاول النيل من الطرف المعتدى عليه بحجة مطالبة الشيخ حكمت الهجري بانفصال السويداء عن سوريا حيث لا يتم الحديث عن كل تلك الخسائر الفادحة في الأرواح والممتلكات ويتم التركيز فقط على طلب الحماية الدولية والاسرائيلية من جهة وعلى التشكيك الدائم بتمثيل الشيخ حكمت في مواقفه الأخيرة لغالبية أهالي السويداء مقابل إما الحديث عن مواقف متمايزة للشيخين الباقيين للطائفة أي يوسف جربوع وحمود الحناوي ومن جهة ثانية عبر تعويم شخصيات مثل ليث البلعوس وسليمان عبد الباقي اللذان جندهما الجولاني لضرب السويداء والقول أنهما يمثلان تيارا داخل السويداء.
ورغم إجابات بعض الضيوف ولأكثر من مرة حول هذه الأسئلة غير البريئة إلا أنهم يعيدون كل يوم نفس الأسطوانة إمعانا في ترسيخ المعلومة في ذهن المشاهدين السوريين والعرب عموما.
من تابع جيدا تصريحات الشيخ حكمت الهجري منذ فجر الثامن من ديسمبر 2024 سيدرك جيدا مدى التدرج في التصريحات والبناء على ما كان يجري من وقائع يومية فالرجل بدأ بالنوايا الحسنة عبر ارسال ابنه سلمان للتهنئة بالخلاص من نظام الأسد بعد دخول هيئة تحرير الشام الى دمشق حيث طلب الشيخ لاحقا تعيين محافظ من أبناء المحافظة ووقع الاختيار على السيدة محسنة المحيثاوي لشغل هذا المنصب فقابله الشرع بارسال موفد برتبة محافظ وهو أبو ياسين المعرة أو مصطفى بكور فكان القلق الأول ورغم ذلك كان تواصل الشيخ حكمت جيدا مع موفد الحكومة لاحقا الى السويداء مصطفى بكور وتم نقل العديد من المطالب وأهمها إشراك الجميع في السلطة وشعارات الدولة المدنية والعلمانية والانفتاح على كافة أطياف الشعب السوري لكن الشيخ بدا أكثر حذرا في التعاطي مع السلطة الجديدة نظرا لتاريخها الجهادي السلفي المعروف للجميع وبالتأكيد هناك ذاكرة لدى زعيم الطائفة ظلت تقول له: هؤلاء وأشباههم هم من قتلوا أربعة وعشرين شخصا من الطائفة بينهم أطفال في قلب لوزة القرية الدرزية الإدلبية ( وبقيادة جهادي تونسي في جبهة النصرة ) في العام 2015 بناء فقط على أسباب طائفية ثم ان سلوك الجماعة الجديدة الحاكمة بدا أنه عصبوي عبر تعيين شخصيات إدلبية في المرحلة الأولى ومن ثم قيادات فصائل اسلامية وأقارب للجولاني مثل حازم الشرع على سبيل المثال ، كل ذلك شكل عوامل حذر وقلق بدأ بالتحول تدريجيا الى رفض بفعل مجموعة تراكمات إضافية منها ترقية مقاتلين أجانب في صفوف ( الجيش) وبروز بعض حوادث التدخل في طريقة حياة الناس في دمشق وغيرها من المحافظات وسيارات وفرق الدعوة التي كانت تجوب الشوارع وملصقات مثيرة للقلق بمعظمها تحمل توجهات سلفية فاقعة إلى أن وصلنا الى لحظة القلق الكبرى في مجازر الساحل والتي ذهب ضحيتها أكثر من ألفي شهيد من المدنيين مع لوحات متنوعة من الإذلال وامتهان الكرامة الانسانية التي تمثلت بفعل العواء وكل ذلك بحجة محاربة فلول النظام في الساحل السوري.
إن أي إنسان بسيط من الأقليات الدينية الموجودة في سوريا قد شعر بحجم الخطر الذي يواجهه أو سيواجهه فكيف هو الأمر لدى زعيم طائفة قيم على رئاسة هيئتها العليا الروحية أبا عن جد منذ مئات السنين ولذلك بدأ الشيخ حكمت الهجري برفع سقف التوصيف وليس الحكم بأننا إزاء حكومة إقصائية تعتمد على فصائل منفلتة ( وهي التسمية المخففة للإهابية) وبالتالي فان التعاون معها رهن بشروط وهنا أصبحت القضية تحتاج الى مفاوضات تنتج ضمانات وليس الى جملة إملاءات تأتي من المركز وقد لعب اعلام السلطة ممثلا بقناة الإخبارية السورية دورا تحريضيا كبيرا وخاصة في ملف تسليم السلاح حيث ازداد الرفض له من غالبية فصائل السويداء لأسباب عديدة تبدأ من علاقة الدرزي بالسلاح تاريخيا وهذه مسألة يغفلها الكثيرون الذين لم يقرأوا جيدا تاريخ المنطقة ودور وموقع الدروز فيها والمشكلات التي تعرضوا لها في محيطهم مرورا بالغزوة الداعشية التي تعرضت لها المحافظة في تموز 2018 من تنظيم داعش والتي ذهب ضحيتها حوالي مئتي شهيد معظمهم من المدنيين في قرى الريفين الشرقي والشمالي للسويداء,ولا تنتهي تلك الأسباب بما حصل في الساحل من فظائع بحق العلويين..
إلا أن وصل الأمر الى تلك الحملة التحريضية على خلفية تسجيل صوتي مجهول المصدر مسيئ للرسول الكريم تم نسبه الى شخص درزي مجهول الهوية الى الآن فكان استهداف الدروز في كل من جرمانا وأشرفية صحنايا مع حملات في المساجد والشوارع واعتداءات على طلاب السويداء في الجامعات السورية وذهب ضحية تلك الهجمة أيضا كثير من أبناء الطائفة المتواجدين في ريف دمشق.
وما أفاض الكأس السورية كان ذلك التحضير للهجوم على السويداء تحت ذريعة فض الاشتباك بين البدو والدروز على خلفية حالات خطف وخطف متبادل مهد لها انشاء السلطة لحاجز على طريق دمشق بدأ بسلب التجار والمدنيين ممتلكاتهم وأموالهم ومعاملتهم معاملة لا انسانية حيث يعتقد ان نواة عناصر هذا الحاجز كانوا من بدو السويداء الموالين لحكومة الجولاني
في هذه اللحظة الفارقة وبعد التحشيد الذي تم والأكاذيب التي حاولت السلطة تمريرها حول فض الاشتباك ومحاولة شيخي العقل الباقيين اللجوء الى حلول أكثر وسطية وليونة مع السلطة اضطر الشيخ حكمت الى قبول دخول الأمن العام الى المحافظة قبل أن يكتشف ان الدبابات والمسيرات والمدافع تحصد أبناء الريف الغربي بعمالة وتسهيل وخيانة من ليث البلعوس ليأخذ قراره بالمواجهة العسكرية لحماية الطائفة من تلك الفصائل المتطرفة فكانت عبارة ( يا غيرة الدين) ومرة أخرى من لا يعرف وقع هذه العبارة ودلالاتها التي تمس خطرا وجوديا تتعرض له الطائفة والنفير للدفاع عن العرض والأرض بوصفهما مرتبطين عضويا بثقافة الدروز التاريخية والاجتماعية.
توصيتي للإعلام العربي بسيطة جدا اذا أراد أن يطلع على سردية ما حصل في السويداء بشكل حقيقي؟
ومن وكم يمثل الشيخ حكمت كزعيم للطائفة؟
ورأي الناس في السويداء بمن يحاولون التسويق لهم من ليث البلعوس الى سليمان عبد الباقي؟
وماذا فعلت سلطة الجولاني في السويداء؟
ولماذا ازداد مطلب الأهالي بالانفصال او طلب الحماية الدولية والإسرائيلية ؟
التوصية بسيطة جدا افتحو الهواء المباشر لأحد مراسليكم اذا سمحت له سلطة الجولاني بالوصول للمحتشدين في ساحة الكرامة ، عندها فقط ستصلكم الرسالة الحقيقية وتوفرون على أنفسكم الوقت وتكرار الأسئلة وستوفرون علينا مزيدا من الأكاذيب.

ليفانت: أسامة هنيدي

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!