الوضع المظلم
السبت ٠٤ / أكتوبر / ٢٠٢٥
Logo
  • فلسطين الأمس واليوم.. والدور المتخاذل للنظام الإيراني..

فلسطين الأمس واليوم.. والدور المتخاذل للنظام الإيراني..
فلسطين

 ما جرى في الأمم المتحدة من اعتراف منقوص بحق الفلسطينيين في دولة مستقلة تمثلهم وتستعيد حقوقهم السليبة ليس هبة ولا مِنة من المجتمع الدولي الذي تغافل عن معاناة الفلسطينيين وأرضهم ودولتهم المسلوبة التي وهبها الاستعمار لكائنات بشرية متوحشة أراد الغرب التخلص منها فوهبها ما لا يملكه وتغاضى عن التاريخ والقيم، وشاركت الأمم المتحدة ذاتها في عملية سلب أرواح وحقوق الفلسطينيين وتشريدهم سواء كانت تلك المشاركة بالتغاضي أو بالتهاون.. لذا فإن ما حدث في أروقة الأمم المتحدة لم يأتي وفق قيمها ولكن وفق ما أفرزته الساعة والأحداث من نتائج أدت ذلك الاعتراف الذي سيبقى منقوصاً؛ فمن سعى إلى قتل أوسلو سيسعى لقتل ما حدث في الأمم المتحدة لصالح عودة الحق الفلسطيني.
 

ما جرى ويجري في فلسطين ليس وليد اليوم أو الساعة فهي معاناة مستمرة منذ قرابة قرن وعقدين من الزمان كانا حافلين بالإبادة والقتل والدمار ونهب الممتلكات والتشريد.. وقد فضحت أحداث غزة جرائم الماضي والحاضر بما في ذلك جرائم المستعمرين الذين نهبوا فلسطين وسلموها لتلك العصابات.. والتاريخ لا يظلم أحدا فها هو يُنصف الشعب الفلسطيني وها هي شعوب العالم الحرة كلها تقف وقفة لم يكن أحداً ليتوقعها بعدما اطلعوا على قتل وحرق وتجويع الأطفال، وكل العالم وقف إلى جانب الحق الفلسطيني إلا أولئك المدعين في إيران الذين لا يروا في القضية الفلسطينية إلا وسيلة للتسلق عليها خدمة لمصالحهم.. فعندما تُعلن فرنسا رسميًا اعترافها بدولة فلسطين وتنضم إليها دول كـ بلجيكا ومالطا والبرتغال


ولوكسمبورغ بالإضافة إلى إمارة موناكو ويرتفع بذلك عدد الدول المعترفة بفلسطين إلى أكثر من 140 دولة من أصل 193 عضوًا في الأمم المتحدة بعد إعلانات سابقة من بريطانيا وكندا وأستراليا.. نجد النظام الإيراني من بين الدول غير المعترفة بدولة فلسطين التاريخية مبررة ذلك بحجج واهية غير متضامنة بأي شكل من الأشكال مع الشعب الفلسطيني المنكوب.. لكن حقيقة هذا النظام شئنا أم أبينا أنه متضامن ضمنيا مع المحتل الذي بات اليوم يتبجح بأنه هو الحقيقة وأن فلسطين التاريخية ما هي إلا افتراض، ولا غرابة في موقف ملالي إيران فقد سبق وأن اعترف وزير خارجيتهم السابق بوجود توافق بينهم وبين سلطات الاحتلال في فلسطين، والتوافق بين ملالي إيران والمحتل في فلسطين ليس في جانب واحد فحسب بل في الادعاء الديني وتمثيل الله في الأرض والنهج العنصري والتوجهات التوسعية.
المواقف الدولية الداعمة
 

كوطنيين فلسطينيين تتملكنا مشاعر متباينة من الأمل والغضب أمام ما شهدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك مؤتمرًا دوليًا برئاسة مشتركة بين المملكة العربية السعودية وفرنسا تم فيه اتخاذ خطوات جادة لتسوية القضية الفلسطينية سلميًا وتنفيذ حل الدولتين.
لقد كان وصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مقابلة مع شبكة CBS الأمريكية الاعتراف بفلسطين وصفاً يميل إلى الواقع عندما وصف الاعتراف بأنه “بداية عملية سياسية للسلام والأمن” مُحددًا خطوات لاحقة تشمل وقف إطلاق النار، إطلاق سراح الرهائن، إعادة فتح الممرات الإنسانية وإعادة إعمار غزة، وقد كانت المواقف الأوروبية الأخرى مواقف محمودة حيث أعرب قادة أوروبيون من بينهم رئيس وزراء بلجيكا Bart De Wever، ورئيس وزراء لوكسمبورغ Luc Frieden، ورئيس وزراء مالطا Robert Abelaعن دعمهم لحل الدولتين.. فيما وصف وزير الخارجية البرتغالي Paulo Rangel القرار بأنه “تاريخي” وأكدت بريطانيا التي وهبت فلسطين للمحتل الإسرائيلي أن الاعتراف “خطوة نحو مستقبل أفضل”.. أما إسبانيا صاحبة الموقف الأقوى والأفضل فقد طالبت بعضوية كاملة لفلسطين في الأمم المتحدة..، وأما تشديد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش على أن إقامة دولة فلسطينية هو شرط أساسي لتحقيق السلام في الشرق الأوسط فهو موقف ينطلق من وعي وفهم تاريخي منصف وتجربة قاسية مع المجتمع الدولي الذي يستطع غوتيرش ترويضه.
الدعم الشعبي في أوروبا
على المستوى الشعبي شهدت مدن إيطالية مثل ميلانو وتورينو وفلورنسا ونابولي وباري وباليرمو مظاهرات حاشدة دعمًا لفلسطين.. كما أغلق عمال موانئ جنوة وليفورنو الموانئ احتجاجًا على أوضاع غزة، وفي لندن رُفع علم فلسطين أمام مكتب التمثيل الفلسطيني، وقد سبقتهم في ذلك عدة مدة إسبانية وأوروبية أخرى، وقد كانت حدة هذه المظاهرات كرد فعل على التهاون الدولي القائم والمتوقع استمراره حتى ولو تم الاعتراف بالدولة الفلسطينية.. فهذا الاعتراف بحاجة يحتاج من يحترمه ويلتزم بالقوانين والأعراف والمواثيق الدولية.. ومشاهد ما حدث ويحدث في غزة تقول بأن القادم ليس سهلا وقد ألمح بذلك الرئيس ماكرون.
الدور الخائن لنظام الملالي الحاكم في إيران
يروّج نظام الملالي الحاكم في إيران منذ عقود شعارات تدّعي دعم القضية الفلسطينية مقدّمًا نفسه كحامي الحمى المدافع عن الشعب الفلسطيني المتجحفل نحو تحرير القدس؛ تلك كانت شعارات فضفاضة أكبر من حجم هذا النظام ولم ترى الصدق في نواياه.. لكن حقيقة سياساته لم تخدم الفلسطينيين بل أدت إلى تفتيت الصف الوطني الفلسطيني وإلحاق الضرر بالقضية الفلسطينية.. ليس ذلك فحسب بل كان هذا النهج الذي يتبعه هذا النظام وسيلة مباشرة أو غير مباشرة في صناعة الأسباب للمحتل كي يقضي على آمال الشعب الفلسطيني في استعادة دولته وأرضه وآماله، واستخدم هذا النظام القضية الفلسطينية كورقة لتحقيق أهدافه التوسعية والهيمنة الإقليمية بعيدًا عن أي دعم حقيقي للسلام أو العدالة، وبدلاً من تعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية يسعى النظام الإيراني إلى تغذية الانقسامات.. وتتناقض هذه السياسة مع جهود قادة وطنيين مثل محمود عباس الذين يؤكدون على نهج الوحدة والدبلوماسية كطريق إلى تحرير فلسطين.
لقد استغل نظام الملالي الحاكم في إيران القضية الفلسطينية كورقة وشعار لكسب شرعية في العالم الإسلامي وتبرير تدخلاته في لبنان وسوريا واليمن، وقد التزم بالشعار بينما يترك الفلسطينيين يواجهون الموت ولتشريد والتجويع والفقر والحصار على يد الاحتلال، وبهذا النهج البغيض يطعن خامنئي وقادته القضية الفلسطينية بخنجر الخيانة، وعلى الرغم من ادعاءاته لم يقدم النظام الإيراني أي دعم عملي للفلسطينيين أو لإعادة إعمار أو إغاثة المشردين في غزة، ولم يتبني حلولا دبلوماسية كتلك التي ناقشها المجتمع الدولي في نيويورك.. بل ساهم ولا زال يساهم هذا النظام في إشعال الصراعات وزعزعة استقرار المنطقة محتجزًا القضية الفلسطينية كرهينة لسياساته المذهبية العنصرية التوسعية.
الخلاصة
إن الدعم الشعبي والدولي الرسمي إلى جانب الوحدة الداخلية الفلسطينية يمثلان فرصة قوية لتقوية وتعزيز قوة الصف الفلسطيني ليكون عاملا مهما في زيادة الضغط على الاحتلال.. فالسلام حق مشروع لكنه يتطلب جهدًا وصمودًا بينما يشكّل النظام الإيراني عائقًا خطيرًا في هذا الطريق.. وبالتالي يجب التحرر من تدخلات نظام الملالي في الشأن الفلسطيني للتمكن من إقامة دولة فلسطينية قادرة على الاستمرار وتعزيز الوضع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي في دولة فلسطين.
بالنهاية حتى لو كانت تلك الاعترافات ذات طابع شكلي إلا أنها تطور لافت في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي فإن مؤتمر نيويورك والاعتراف الواسع بفلسطين يشكّل خطوة تاريخية ربما تتجه نحو السلام لكنها ستظل ناقصة إن لم تترافق مع خطوات عملية كوقف الاستيطان وتغيير الفكر والنهج العنصري القائم لدى أولئك الذين يرغبون في السلام والتعايش ومنح فلسطين عضوية كاملة في الأمم المتحدة.. ولقد بدأ التيار الوطني الفلسطيني الممتد من ياسر عرفات المتواصل إلى محمود عباس مسيرة النضال التحرري لأجل فلسطين وخطوات السلام وألقى الحجة على المجتمع الدولي، وما زال هذا التيار يمثل الأمل الواقعي لتحقيق أهداف الشعب الفلسطيني.. في المقابل لم يكن نظام الملالي في إيران نصيرا للقضية الفلسطينية يوما ما بل كان معول هدم وفتنة وعائقا كبيرا أمام حرية وخلاص الشعب الفلسطيني.. واليوم يواصل خيانة القضية عبر شعارات كاذبة خاوية وأفعال مدمّرة.
م. أحمد مراد – إعلامي فلسطيني مقيم في النمسا
 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!