الوضع المظلم
السبت ١١ / أكتوبر / ٢٠٢٥
Logo
قواعد الوهم… متى نستفيق؟
إبراهيم جلال فضلون

أي دراما أبلغ من أن تُخرج الدول بأغلبها نار قلوبهم لدولة مارقة كإسرائيل والولايات المتحدة، بعد تدمير بقعة أرض بأبريائها في غزة، وكأن الأرض قد بدأت تلفظ بما في بطنها من لهيب ونيران وحمم تغلي من ظُلم  الماسونية في الأرض، وأن تُقصف عاصمة خليجية فيها أكبر قاعدة جوية أميركية في المنطقة ضمن 14 قاعدة بالدوحة، تقف على مرمى حجر؟، فلم يعد وهج الوعود الأميركية يخدع أحداً. سنوات طويلة بيعت فيها أوهام الحماية للعرب تحت شعار "المظلة الأمنية"، وقد وصلتنا الرسالة بضرب إيران لقاعدة العديد في قطر من قبل، لكننا لا نتعلم، فإذا بها تنقلب قيداً يكبل القرار العربي وبالأخص الدوحة ويترك الأرض مكشوفة للعدوان. ضربة الدوحة الأخيرة لم تكشف فقط زيف الحماية الأميركية، بل مزقت آخر أوراق التجميل عن وجه الحقيقة: القواعد الأميركية لم تُبنَ لحماية العرب، بل لحماية إسرائيل ومصالح واشنطن. فإسرائيل فوق القانون وواشنطن الغطاء، إذ لا ترى الأولى في القانون الدولي سوى ورقة تمزقها متى شاءت. من غزة إلى بيروت، وصولًا إلى الدوحة، كما يمزقها الفيتو الأمريكي الأرعن، فالعدوان واحد والغطاء الأميركي ثابت. وواشنطن التي تحاضر العالم عن "حقوق الإنسان" و"السيادة"، تبارك بصمتها حين تُنتهك سيادة دولة عربية. هذه ليست ازدواجية فحسب، بل شراكة كاملة في العدوان، بأربع عشرة طائرة إسرائيلية تخترق السيادة القطرية، بينما أربع عشرة قاعدة أميركية تكتفي بالصمت؟ إنهما كإمرأة لعوب في علاقة سامة تُرسل دولنا العربية في حبور للموت بخيانة مكتملة الأركان، لكنها ليست الأولى ولن تكون الأخيرة.. 
إنها أكذوبة المظلة الأميركية، بات واضحًا أن القواعد الأميركية في الخليج ليست "درعاً واقياً"، بل رهينة سياسية تجعل السيادة رهناً بقرار واشنطن. فحين قصفت إسرائيل الدوحة، لم تتحرك الطائرات الأميركية، ولم تُطلق صواريخ دفاعية، ولم يصدر حتى بيان استنكار جاد. الرسالة الوحيدة كانت: حماية إسرائيل أولاً، والبقية مجرد تفاصيل. فهل هناك شهادة أوضح على أن المظلة الأميركية مجرد وهم؟.. بعد بناء قاعدة "العديد" عام 1996 بتكلفة تجاوزت مليار دولار أمريكي، وغطت قطر 60% من هذه التكلفة، أي حوالي 650 مليون دولار. واستثمرت مبالغ إضافية لتوسعتها وتحديثها. في عام 2019، ليزورها الشعبوي الأمريكي "ترامب" ويُعلن أن قطر ستستثمر 10 مليارات دولار في تطوير القاعدة، بما في ذلك بناء منشآت جديدة وتحديث البنية التحتية. فما جدوى هذه القواعد؟ وما معنى "التحالف" مع الولايات المتحدة إذا كانت السيادة القطرية تُنتهك على مرأى ومسمع؟.
هذه ازدواجية لم تعد خافية، فالقانون الدولي أداة انتقائية تُستخدم ضد الخصوم، وتُدفن عندما يتعلق الأمر بالحليف المدلل. والتجارب تثبت أن الإرادة الوطنية وحدها هي الضمانة. ومن يظن أن المظلة الأميركية تقيه، فهو مكشوف في الحقيقة. من يركن إلى هذه العلاقة السامة، سيجد نفسه ضحية، تمامًا كما يُغري طائر الحبارى فريسته بخطوات حمقاء قبل أن يقودها إلى الموت. فدولة مصر واجهت الضغوط، فرضت إرادتها، ولم تسمح بتحويل قرارها السيادي إلى ورقة بيد أحد. والسعودية رسمت خطاً سيادياً واضحاً لا يساوم، وأكدت أن أمنها بيدها لا بيد واشنطن. أما بقية العواصم العربية، فلا خيار أمامها سوى أن تحذو هذا النهج، وإلا ستبقى أسيرة قواعد أجنبية لا تحمي، بل تستنزف.
أما آن للعرب أن يستفيقوا من الوهم القاتل. فالوقت لم يعد يحتمل مجاملة ولا انتظار. السيادة لا تُصان بالاعتماد على أجنبي، بل بقرار وطني جريء، وأن أميركا وإسرائيل اليوم لا تختلفان عن الحبارى التي وصفها العرب قديمًا: كائن أحمق، انتهازي، يتلون ويتغذى على كل شيء، لكنه لا يخلّف وراءه إلا الخراب. إنهما في الحقيقة كـ امرأة لعوب في علاقة سامة، تُوهمك بالحب فيما هي تستنزفك، أو كـ طبيبة نفسية انتهازية تبني مجدها على جراح الآخرين، فلنطرد قواعدهم اللعوبة بنا، ولنبني منظومة أمن عربية مستقلة، وإعادة الاعتبار للكرامة قبل المصالح. وإلا فإن الخليج كله سيبقى ساحة مكشوفة لعدوان متكرر، وحينها لن ينفع الندم، ولنفعل كأفغانستان، بكل فقرها وضعفها، أجبرت القوات الأميركية على الانسحاب بعد عقدين من الاحتلال. فهل يُعقل أن تظل دول الخليج، بثرواتها ومكانتها، أسيرة لوهم الحماية الغربية؟.
وأخيراً: إن ضربه الدوحة كانت الإنذار الأوضح، فمن يظن أن المظلة الأميركية تحميه، سيجد نفسه مكشوفاً. والسيادة لا تُصان بالشعارات، بل بقرار مستقل، وبإرادة سياسية لا تخضع للابتزاز، فلا تكونوا أحمق من الحباري.

ا. د.  إبراهيم جلال فضلون

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!