الوضع المظلم
الجمعة ١٤ / نوفمبر / ٢٠٢٥
Logo
قراءة فنجان في مستقبل الإقليم...
أسامة أحمد نزار صالح 

قراءة فنجان في مستقبل الإقليم...

سوريا – اللاذقية – الدكتور أسامة أحمد نزار صالح
 

في أواخر العام ١٩٩٤ وفي إحدى المناسبات في لندن، طلب بشار الأسد من سيدة معروفة لدى نادي الجالية السورية بأنها افضل من يقرأ الفنجان، قرأة بخته في فنجانه بعد أن أنهى قهوته.

الأسد كان يصغي بفضول ظاهر الى كل كلمة تقولها قارئة الفنجان عن الحظ الذي سيبتسم له عند عودته الى سوريا، لكنها أنهت حديثها بأن قعر فنجانه ملئ بالدم !

ربما لعبت الصدفة دوراً خفياً في تحقيق تنبؤات السيدة، أو أنها حرصت على ترجمة طريقة الأسد الأب ووحشيته في حكم سوريا وما يمكن أن يرث الإبن من طباع والده وطريقته، جاءت الأحداث وكانت الأربعة عشرة عاماً الأخيرة من عهد الأسد الإبن غارقة بدماء الثورة السورية.

في مطلق الأحوال فقد حفر انقلاب البعث ١٩٦٣ في المجتمع السوري ندوباً قومية وطائفية، عمقها حافظ الأسد بعد انقلاب ١٩٧٠

ولم يكن نجاح الأسد الأب في قمع انتفاضة حماة وباقي المدن السورية في الثمانينات من القرن الماضي إلا مقدمة لانفجار الثورة السورية ٢٠١١ بوجه الأسد الإبن، التي في نهاية ٢٠٢٤ اقتلعت نظام الأسدين.

بعد نحو ثلاث سنوات على اغتيال الجنرال قاسم سليماني، نفذت إيران عبر حماس، ما كان يتداول همساً بين قادة الفصائل الحليفة لها في الإقليم، عن الضربة الكبرى التي كان يأمل الجنرال سليماني بتسديدها إلى إسرائيل، سارع حزب الله بالإنضمام إلى طوفان حماس في اليوم التالي لاندلاعه تحت شعار وحدة الساحات، لتثبت حرب الإسناد التي فجرها الحزب تفوق تقني واستخباراتي إسرائيلي ظهر بوضوح في تفجيرات البيجر والاتصالات أيام ١٦ و١٧ أيلول ٢٠٢٤ وتوج باغتيال حسن نصر الله في  ٢٧ أيلول وثم خَلفهُ هاشم صفي الدين في ٣ تشرين الأول ٢٠٢٤ ،كما أدت حرب الإسناد إلى تحولات عميقة وغير متوقعة في الداخل اللبناني باقرار مجلس الوزراء حصر السلاح بيد الدولة، وتفويض الجيش اللبناني تنفيذ ذلك عبر خطة يضعها بنهاية ٢٠٢٥ ، إن اصرار حزب الله على سلوك مسار الترميم والتعافي وعدم التسليم بنهاية دوره الإقليمي والتصريح المتكرر لنعيم قاسم عن عدم تسليم السلاح، يجعل لبنان الرسمي يبقى في المنطقة الرمادية التي اعتاد أن يكون فيها منذ سنوات، ويأتي وصف المبعوث الأمريكي توم باراك لبنان بالدولة الفاشل،  ما يمكن أن تستغله إسرائيل لتفرض واقعاً جديداً على الأرض وإنشاء حزام أمني جنوب الليطاني.

مؤتمر الأقليات في الشرق الأوسط: الضرورات، التحديات، والنتائج المتوخاة

بعد حفنة شهور من وصوله إلى قصر المهاجرين، صرح الشرع في منتدى مبادرة مستقبل الاستثمار في الرياض : "أنا منذ فترة طويلة أتابع الرؤية التى قدمها سمو الأمير محمد بن سلمان ورأيت أنها تشمل المنطقة بأكملها، لذلك سرّعنا بالمجئ لنكون جزءاً من هذا الترتيب الحاصل" كان الرئيس أحمد الشرع إختار السعودية وجهته الخارجية الأولى،  لأنه حسب قوله عرف "المفتاح أين " ونجح في استعمل بصمات العربية السعودية وقائد نهضتها الأمير محمد بن سلمان على موقع سوريا وعلاقتها الدولية، واستثمرها في رفع العقوبات، بعد تصريحاته عن الدول الناجحة، الشرع يضع سوريا كحلقة وصل لتحالف تركي – خليجي من قطر والإمارات بقيادة العربية السعودية، فيما يرى مراقبون بعد تصريحات المبعوث الأمريكي توم باراك بخصوص العمل الجيد الذي قدمته القيادة السورية خلال الأشهر الأخيرة أن الشرع له تأثير يشبه توم كروز في سلسلة الأفلام الشهيرة "المهمة المستحيلة " للعبور إلى سوريا موحدة، واذا صح خبر زيارة الشرع إلى واشنطن يمكن أن تتجاوز رعاية ترامب اتفاق انضمام سوريا للتحالف ضد داعش إلى إتفاق أمني مع إسرائيل، ما سيمهد لحل ملفي الأكراد والجنوب، وهي تسديدة محكمة من الشرع كما تسديده الدقيق في لعبة البلياردو.

يمكن القول أن إردوغان سدد لكمة موجعة للطوق الذي فرضته إيران على جزء من المنطقة، بسقوط النظام السوري، بعد أقل من سبع سنوات من انطلاق تفاهمات آسيتانة بمشاركة الدول الضامنة روسيا – تركيا – ايران،  تعرضت إيران لهزيمة كبرى، وعاد مشروعها في المنطقة أربعون عاماً إلى الوراء، وتبدو إيران اليوم في مرحلة المراوحة بعد حرب الاثنا عشرة يوماً بينها وبين إسرائيل التي شكل تدمير برنامجها النووي هدفها الأول، فقد امتنعت إيران عن التصعيد في الخليج، ولم تستهدف حركة الملاحة فيه أو في بحر عُمان وردها الأكبر على التهديد الدولي بتفعيل آلية الزناد إصدار البرلمان الإيراني قرار يمنع التعاون مع مفتشي الوكالة الدولية، إيران تعتمد خيار الصبر الاستراتيجي مع حرصها على عدم ارتكاب الغلطة الكبرى التي تمنح الآخرين ذريعة استهدافها، وفي المستقبل القريب لن تسعى إيران إلى التصعيد لأنها تخشى عودة الحرب مجدداً، وإنما ستسعى لشراء الوقت لإعادة ترتيب أوضاعها الداخلية سياسياً وامنياً وايضاً إعادة بناء قوتها.

رغم مرور سنوات يبقى الصراع الروسي الأوكراني متصدراً كل أولويات موسكو وتحديات سياستها الخارجية، تحليلات كثيرة ومختلفة لزيارة الرئيس الشرع إلى موسكو، من المؤكد أن موسكو تبحث عن استراتيجية جديدة للحد من الأضرار،  وتحديد مقاربات جديدة تجاه المشهد السياسي والعسكري بعد سقوط حليفها الأسد، موسكو في المستقبل حريصة على دعم توازن مستمر بين اللاعبين في الساحة السورية لمنع أي جهة إقليمية أو عالمية من ممارسة نفوذ سياسي حصري على السلطات السورية الجديدة، والهدف الاحتفاظ بمستوى معين من وجودها العسكري في سوريا ولو تغيرت شروط هذا الوجود.

لم يبق في فنجان القهوة سوى إشارات غير مفهومة، تتعلق بقبضة ترامب التي لا تتعب والمفتاح الحاسم الذي يحمله فهل تحمل هذه القبضة جائزة نوبل للسلام؟ وهل نرى حل للقضية الفلسطينية؟

 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!