الوضع المظلم
الأربعاء ٢٦ / نوفمبر / ٢٠٢٥
Logo
  • من يحتكر منابر الإعلام؟ قراءة في تغييب الإعلام الكوردي عن فضاءات المجتمع المدني

من يحتكر منابر الإعلام؟ قراءة في تغييب الإعلام الكوردي عن فضاءات المجتمع المدني
زينه عبدي

انعقد بتاريخ 15 تشرين الثاني/نوفمبر 2025 في العاصمة السورية دمشق، مؤتمر الحوار مع المجتمع المدني السوري بنسخته التاسعة بدعم من الاتحاد الأوروبي وبالتعاون مع السلطات الانتقالية في سوريا؛ بعد انعقاده في بروكسل على مدار سنوات منذ عام 2017. يعد هذا الحدث لحظة فارقة في مسيرة سوريا التاريخية، ويعطي رسالة بالغة الأهمية على المستوى السياسي مفادها التأكيد على مصداقية وحقيقة التقارب والشراكة بين السلطات الانتقالية والمجتمع المدني، لكن ما دعا للاستفهام بصورة عميقة هو الغياب التام لوسائل الإعلام الكردية لتغطية هذا الحدث الكبير. غياب أثار تساؤلات جمة وجوهرية حول التمثيل الحقيقي للإعلام الكردي في ظل المرحلة الانتقالية، ومسارات العلاقة بينه وبين وزارة الإعلام السورية التابعة للسلطات الانتقالية، ما يعزز فكرة العلاقة المتذبذبة بين الإعلام الكردي والمجتمع المدني والسلطات.

تحليل الغياب

في ضوء هذا السياق، يطرح غياب الإعلام الكردي جملة أبعاد تجعل منه ظاهرة أشد تعقيداً متمثلةً ب سياسات التمثيل الإقصائية والتحزبية، ومن الجدير هنا التعمق في أحد أبرز الإشكاليات المتعلقة بهذا الغياب، وهو الاختيار المركَّز من قبل اللجنة المنظمة بالتعاون مع السلطات الانتقالية للوسائل الإعلامية التي يمكنها الحضور والتغطية بصورة مباشرة أو غير مباشرة.

على ما يبدو، أن عملية إرسال الدعوات كانت بمنأى عن أية شروط ومعايير تضمن التوازن والتنوع إعلامياً بما يعكس مدى التغيير الحقيقي في بنية السلطة الانتقالية التي تحكم دمشق حاليا. وبصورة أوضح وأكثر شفافية كانت الانتقائية هي سيد الموقف في المشاركة والحضور؛ حيث تهميش وإقصاء فاعل إعلامي محوري وأساسي ألا وهو الإعلام الكردي الذي يجب أن يشارك وبقوة في بلورة وصياغة أية سردية تتمحور حول التغيرات الاجتماعية والسياسية، ليس إلا نهجاً يتعمد إضعاف التعددية الإعلامية، بل ويولد حالة استياء وتوتر نفسي ترفض كل محاولات التقويض والاحتكار المتعمد للخطاب ذات اللون الواحد بما يتوازى ويتزامن مع نفوذ وأفكار السلطات الانتقالية والأطراف الرسمية التابعة لها، عوضاً عن المشاركة الحقيقية والفعلية التي تمنح السوريين والسوريات حق مساءلة السلطات والكشف عن وجهات النظر المختلفة للجميع.

وهنا على مسرح التمثيل لكل الشعب، يعاد السؤال الأكثر حساسية إلى الواجهة حول أحقية الوصول إلى هكذا منابر حوارية كبرى، وبذات الوقت الممارسات الممنهجة التي تفرض استبعاد طرف كما السابق في عهد النظامين العفلقي والأسدي. هذا التغييب المتعمد يعرقل مسار الانتقال الديمقراطي الذي يتم المناداة به ويخلق شرخاً عميقاً في جسر الثقة بين المجتمع وبما فيه الإعلام الكردي والسلطات الانتقالية ويعمق الهوة، ويضعف المصداقية والثقة الحقيقية بين الطرفين، ما يعزز الريبة لدى الإعلام الكردي متسائلاً: هل يُعتبَر يوم الحوار حقيقياً في ظل تعنت الجهات الرسمية ومحاولتها تغييب وسائل الإعلام الكردية سوى وسيلة واحدة فقط، أم مجرد استعراض سياسي علني لكسب شرعية الاتحاد الأوروبي والحصول على الدعم؟ مشهد مسيَّس ومنصة للدعاية السياسية أكثر منه مساحة حوار حقيقية.

في هذا الإطار، ثمة بعد سياسي جريء وواضح ألا وهو تقويض دور الكرد في مسار الحل السياسي رغم حضور نسبة لا بأس بها من الممثلين الكرد عن منظمات مناطقهم في روجآفايي كوردستان(شمال شرق سوريا) والتحدث بلغتهم الأم، بالإضافة إلى توفر الترجمة من وإلى اللغة الكردية، وهذه الخطوة تحسب للجهة المنظمة والراعية وإشارة لا بأس بها بوجود وعي بضرورة الحضور الرسمي للغة الكوردية رغم أنني أراها حق من حقوقنا الكردية؛ لكن هذا لا يمنح الجهات الرسمية المعنية وكذلك المنظمة ليوم الحوار الحق في تغييب الإعلام الكوردي الذي يفترض تكليفه ودعوته بصورة رسمية بلا منازع، ما كان سيعزز شرعية الخطابات التي كانوا، ولا يزالون، يتداولونها، بل ويفتح أياماً للحوار والنقد البناء بين الكورد والسلطات الانتقالية في دمشق بمنأىً عن أية حسابات سرية كانت أو علنية، وبالتالي تجسير الهوة لا تعميقها.

تداعيات الغياب

كلنا يعلم أن الإعلام هو حجر الأساس لعملية المساءلة في خضم المرحلة الانتقالية التي تمر بها سوريا. تغييب ركن من أركان هذا الحجر يعد انتهاكاً صارخا للحريات الصحفية والإعلامية ودليل قاطع أن لبنة أساسية من المجتمع بمنأى عن المراقبة بل تبلَّغ فقط بما تمخض عن الحوار من نتائج وتوصيات تم الاتفاق عليها لربما مسبقا.

لتغييب الإعلام الكوردي تأثيرات جوهرية معمقة، فالإعلام الكوردي لم يغطي الحدث وهذا ما غيب تحليلاته الجريئة في التمثيل الكوردي ونقل صوت المجتمع المدني الكوردي، ما يعكس الصورة السلبية لاحيتاجاته ذات الأولوية القصوى لا سيما ضمن خطاب الانتقال والتغير والتحول الوطني الذي يُفترض أن يكون جامعاً وشاملاً.

إنني ومن منظور صحفي، كصحفية كوردية، وفي ظل التغييب الكلي للإعلام الكوردي في يوم الحوار، لا أفسره مجرد صدفة أو مجرد غياب صوت ما، بل غياب التمثيل الحقيقي للسردية الكوردية في المشهد الإعلامي السوري(الأشمل كما يخاطب به) ضمن سياق كوردي طويل "سياسيا وتاريخيا" من إنكار الوجود الكوردي من الفضاء العام، ما يجعل مسار الانتقال السياسي والعدالة الانتقالية وكذلك المصالحة الوطنية ناقصاً وهشاً. فهل بالإمكان بناء إعلام وطني وفق المعايير المهنية والأخلاقية في سوريا الجديدة بإقصاء الإعلام الكوردي عن أداء دوره في نقل الحقيقة والرقابة؟

آفاق

انطلاقاً من القراءة السابقة، بات من الإلحاح والضرورة التفكير بجدية حول الحضور الفعلي لوسائل الإعلام الكوردية وضمان دوره الحقيقي في المشهد الوطني السوري، وعليه فإنه يجب على الجهات المنظمة من سلطات انتقالية والاتحاد الأوروبي النظر في إرسال الدعوات للإعلام دون تمييز لضمان العدالة في التمثيل. على غرار اللجان التي تشكلت من أجل يوم الحوار، يتوجب تأسيس لجنة إعلامية تضم صحفيين من كامل الجغرافيا السورية بغض النظر عن التوجهات والانتماءات للعمل قبل وأثناء وبعد يوم الحوار للتغطية الكاملة لزوايا الحدث ونقل رسائله بالشكل المطلوب مهنياً دون زيادة أو نقصان، ما يفتح المجال أمام تطوير وتكريس الآليات والأدوات الحقيقية للشراكة الإعلامية.

وفي المقابل، مثلما استخدمت الترجمة الكوردية في الجلسات الحوارية، ينبغي إيجاد وثيقة تلزم برفع تقارير إعلامية باللغة الكوردية عبر محتوى يمثل الفهم العميق للحقوق القومية والإثنية، والجدية في ترجمة كافة النقاشات داخل المؤتمر إلى منتج صحفي كوردي نقي دون شوائب بوصفه جزءً أصيلاً من التغطية الصحفية في المشهد السوري ورافداً مهماً للتعددية الإعلامية.

ولا يخفى علينا أنه من المفترض متابعة ومراقبة ما صدر عن يوم الحوار من توصيات عبر آلية إعلامية من الإعلام الكوردي لنقل مجريات ما تم تنفيذه على الأرض بشكل فعلي والعقبات المرافقة التي تعيق المضي قدماً في تحقيق وبناء سوريا عادلة تجمع لا تقصي، سوريا يسمع فيها الجميع صوت الجميع.

في المحصلة، لم يكن تغييب الإعلام الكوردي عن تغطية يوم الحوار مع المجتمع المدني السوري مجرد تفصيل هامشي، بل إشارة واضحة على وهن وعطب في مسار مدونات وسياسات التمثيل الإعلامي، واختلال في تقسيم الفضاءات الصوتية داخل المشهد السوري العام انتقالياً. ادعاء الشمولية واستثناء طرف من الأطراف، يعيد إنتاج المركزية بحذافيرها  التي كانت وعلى مدى عقود السبب الأول والأخير في حالة التشرذم والتشظي التي عاشها السوريون والسوريات، ما جعل الثقة بين المجتمع والدولة على حافة الخطاب. ويبقى السؤال المفتوح: هل ستجرؤ السلطات الانتقالية في سوريا اليوم على الإقرار والاعتراف بأن الإعلام الكوردي شريك حقيقي لا يمكن إقصاءه؟ أم أننا بصدد عملية إعادة إنتاج النمط العفلقي السابق الذي مزق سوريا إرباً إرباً؟

ليفانت: زينه عبدي

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!