- 
        
حين يتحدث الجهل بثياب السياسة.. سموتريتش في لحظة إفلاس
 
                                 «لا تجادل الجاهل كي لا يغلبك في جهله». هكذا قال سيدنا علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، فإن خالطت الجاهل طويلاً فسيجرك إلى القاع لا محالة، ثم يدفنك بجوفها حتى يهلك عقلك. ليكون وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش مثالاً للعب دور "المهرّج السياسي" في زمن الانهيار. فالرجل الذي يتحدث عن "ركوب الجمال" يبدو أنه لم يركب في حياته سوى موجات الغطرسة التي أغرقت حكومته في مستنقع الفشل، فكلما جادل المرء السفهاء أمثاله، انتقص من قدره وأصاب عقله الوهن والتشوش، ليخرج من السّجال بعد أن ضيع ساعات طويلة من وقته بصداع ومشاعر سلبية وخسارة ما بعدها خسارة.
فتصريحه السخيف تجاه السعودية لم يكن زلة لسان، بل تجسيدًا مُتكاملًا لعقلية يمينية متضخمة لا ترى أبعد من حدود المستوطنة وجدرانها التي بُنيت على أشلاء أبناء فلسطين، وتقف فوقهم دباباتهم. وعندما يفترض الوزير أن دولته المحتلة تسعى لتطبيع العلاقات مع العرب بقوله: "استمروا في ركوب الجمال في الصحراء"، فذلك يعني أنه يعيش في ذكريات فيلمٍ قديم من خمسينيات القرن الماضي، بينما العالم يتجه نحو الذكاء الاصطناعي والطاقة النظيفة التي تقودها دول الخليج وفي مقدمتها السعودية.
إن المُضحك المُبكي أنه وبنفسه اعتذر في اليوم ذاته! لكنه متأخر فاعتذاره لا ولن يُطفئ نيران الغطرسة فيهم، بل يؤكد أن شعبه لم يدرك ما قاله إلا بعد أن دوّت كلماته كصفعة في وجهه داخل إسرائيل نفسها.. حيثُ لم تأتِ الانتقادات لم من الخارج فقط، بل من داخل المؤسسة الإسرائيلية التي باتت تخشى أن يتحول اليمين المتطرف إلى عبءٍ وجودي على الدولة العبرية.
في المقابل، تعني مجادلة السفهاء منحهم غروراً زائفاً يصوّر لهم أنهم رأس الحكمة وأن غيرهم لا يفقهون شيئاً.. فجيوشهم الاليكترونية التي جيشوها ضد العرب وثقافتهم ووحدتهم وكذلك مواقع التواصل الاجتماعي ووسائله المتعددة، التي أصبحت بمثابة وباء يستشري في المجتمع ويهيمن على العقول؛ جعلت منهم أضحوكة الزمان، حيثُ وقفت السعودية بثقة وهدوء، ولم تنجرّ وراء الانفعال، ولم تصدر بيانات نارية، لأنها ببساطة لا تتعامل مع "الهواة" في السياسة. فبينما كان الوزير يتلعثم في تبريره على منصة "إكس"، كانت الرياض تمارس سياستها الواقعية على مستوى العالم، في محافل الطاقة والاقتصاد والدبلوماسية الدولية، بثقلٍ يحسب له الجميع ألف حساب. بينما لم يدرك سموتريتش أن إسرائيل – بكل ما تملك من تكنولوجيا – ما كانت لتبقى في المنطقة لولا المظلة غير المعلنة التي وفرتها توازنات القوى التي تحافظ عليها السعودية ومصر؟. فهل يعلم أن أمنه القومي ذاته يعتمد على استقرار الإقليم الذي تقوده الرياض بحكمة؟
ربما لا، لأن من يعيش بعقلية "الضمّ والتوراة والسيادة على يهودا والسامرة"، لا يمكنه أن يفهم لُغة المصالح الحديثة ولا مفردات الدبلوماسية.
في الحقيقة، اتخذ البعض هذا الشكل من الجدال الذي لا يُسمن ولا يُغني من جوع نمطاً ثابتاً لا يقبلون عنه بديلاً. , لتكون تصريحات سموتريتش إهانة لدولة الاحتلال أكثر من إهانة المملكة والعرب. وكشفت أزمة هويتهم المتطرفة، وعن مأزق سياسي وأخلاقي يعيش فيه اليمين الإسرائيلي الذي فقد القدرة على التمييز بين "القوة" و"العنف"، بين "السيادة" و"الاحتلال".، فحينما يُهاجم وزير دولة كبرى كالسعودية، فهذا ليس موقفًا سياسيًا؛ إنه عرض من أعراض مرض الغطرسة الذي يعصف بالمؤسسة الحاكمة في تل أبيب. أما الرياض، فقد ردّت بالصمت — والصمت أبلغ من ألف بيان. صمتها لم يكن ضعفًا، بل إشارة هادئة بأن الملوك لا يتجادلون مع الصغار.
وفي الوقت الذي انشغلت فيه إسرائيل بخلافاتها الداخلية حول التجنيد والحريديم والضمّ، كانت السعودية تعيد رسم الخريطة الاقتصادية للمنطقة، وتوقّع اتفاقات شراكة بمليارات الدولارات، وتستقبل زعماء العالم الذين يدركون أن طريق الاستقرار يمر من الرياض لا من القدس المحتلة .وهنا نتذكر أنه من العجيب أن رئيس وزراء بريطانيا السابق، هارولد ولسن، وقد كان زعيمًا لحزب العمال، زار إسرائيل ولم يكن حينئذٍ في الحكم، فسُئل هناك — ولعل ذلك السؤال قد جاء بعد اتفاق سابق — سُئل: هل تعني عبارة إعادة الأرض الواردة في القرار رقم ٢٤٢، كل الأرض أو بعض الأرض؟ فأجاب بقوله: لو كنَّا نعني كل الأرض لقلنا ذلك في القرار. 
الحق.. حينما يصف سموتريتش وأمثاله السعوديين بأنهم "يركبون الجمال"، ينسى أن بلاده تعيش اليوم على أنقاض أوهامها، وأن من يركب الجمل في الصحراء يملك الصبر والبصيرة، بينما من يركب الغرور لا يصل إلا إلى الهاوية، وربما لو نظر إلى داخل إسرائيل لوجد "الحردبة" التي لا يريد أن يراها تتجسد في : (انقسامات دينية، أزمة تجنيد، فقدان الثقة في القيادة، وتراجع حاد في صورة إسرائيل عالميًا)، لكن كيف يرى ذلك من اختار أن يعيش في برجٍ أيديولوجيٍّ عاجيٍّ يرفض حتى ضوء الواقع؟
ختامًا، تصريحات الوزير المتطرف لم تكن سوى مرآة لأزمة إسرائيل العميقة: عندما تنفصل القيادة عن الواقع، وكأنها امرأة لعوب تستبدل الدبلوماسية بالازدراء، فهي كالحبارى لا تبني دولة بل تزرع بذور سقوطها.
أما السعودية، فتمضي بثقة في طريقها، تعلم أن من يملك الحاضر والمستقبل لا يُجاري من يصرّ على العيش في الماضي. 
د. إبراهيم جلال فضلون
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!

                                                                        
                                                                    
                                                                        
                                                                    
                                                                        
                                                                    
                                                                        
                                                                    
                                                                        
                                                                    
                                                                        
                                                                    
                                                                        
                                                                    
                                                                        
                                                                    