-
من أرقى الشعوب… إلى حافة الظلام
-
سوريا… بين طعنات الداخل وتآمر الخارج

أنا كمواطن كوردي سوري، نشأت داخل حدود سايكس– بيكو التي فرّقت الأوطان وقسّمت الشعوب، عرفت معنى الظلم والحرمان. شعبي الكوردي ذاق التهميش والاضطهاد لعقود طويلة، لكن مع ذلك لم أفقد يقيني بأن الشعب السوري بكل مكوّناته كان من أرقى الشعوب في المنطقة، بل وعلى مستوى العالم: شعب متعلّم، طيب، منفتح، قادر على الإبداع، وعلى التعايش رغم الفقر والقيود.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: ماذا حصل..؟.
كيف تحوّل هذا الشعب، الذي كان يفيض بالحياة والكرامة، إلى واقعٍ يقترب من عصور الظلام..؟.
الحقيقة أن الانهيار لم يأتِ فجأة. لقد تكاتفت عوامل الاستبداد الداخلي مع التدخلات الإقليمية والدولية. عشرات السنين من القمع السياسي جعلت المجتمع هشّاً، ثم جاءت الحرب لتكمل الدائرة: عنف دموي، تهجير، انقسام، وتلاعب بمصير الناس على موائد القوى الكبرى. بدل أن تُستثمر طاقات السوريين في البناء والنهضة، استُنزفت في الصراع والاقتتال، حتى بدا وكأن هناك من يتعمّد إرجاع سوريا إلى الوراء.
والأخطر من ذلك أن بعض القوى الداخلية شاركت، بوعي أو بدونه، في هذا المخطط. انقسامات حزبية، صراعات شخصية، وتناحر بين أبناء الشعب الواحد جعلت المستبدين والمتدخلين أقوى، بينما الضعف تمكّن من الداخل. هنا تكمن المأساة: لم تعد المشكلة فقط في الحكومات، بل أيضاً في اليد التي طعنت من الداخل.
ومع ذلك، يظلّ شيء لا يقبله المنطق: كيف يمكن أن يُمحى تاريخ شعب بهذه العراقة..؟. كيف يُراد له أن يتحوّل من شعب كان يُضرب به المثل في الكرم والثقافة والإنسانية، إلى مجرد خبر في نشرات المآسي..؟.
إن الشعب السوري يستحق أن يُعاد إلى مكانته الطبيعية: شعباً حياً، منتجاً، متفرداً، لا يُختزل في الخراب ولا يُمحى بالاستبداد. القضية ليست فقط سياسية، بل قضية وعي وذاكرة وهوية. سوريا لا تحتاج إلى إعادة إعمار الحجر فقط، بل إلى إعادة بناء الإنسان الذي أُهين وقُمِع وقُتِل.
قد يطول الطريق، لكن يبقى الأمل أن يعود السوريون، بكل قومياتهم وأديانهم، إلى مشروع وطني جامع، يحمي كرامتهم، ويعيد لهم ما سُلب منهم. فما من قوة قادرة على قتل الشعوب إذا أرادت الحياة.
ماهين شيخاني .
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!