-
هل يقلب الشعب الإيراني الطاولة على رأس النظام الإيراني وشركائه؟
هل يقلب الشعب الإيراني الطاولة على رأس النظام الإيراني وشركائه؟
د. سامي خاطر/ أكاديمي وأستاذ جامعي
وهل يحيي الشعب ثورة فبراير من جديد؟
مدخل الاضطراب.. النظام في مواجهة التاريخ
يبدو أن الرياح التي تهبّ على طهران لم تعد عابرة.. فالنظام الإيراني الذي اعتاد مواجهة الأزمات بسياسة الحديد والنار يجد نفسه اليوم أمام مأزق داخلي غير مسبوق تتشابك فيه خيوط الغضب الشعبي مع العزلة الدولية، وتتقاطع فيه الخيانات الداخلية مع تآكل حالة الوفاق بين أركان ورموز النظام..
منذ اندلاع احتجاجات سبتمبر 2022 عقب مقتل الشابة "مهسا أميني" لم تهدأ النيران تحت الرماد بل تحوّلت إلى جذوة تمتدّ من طهران إلى الأهواز ومن كردستان إلى بلوشستان إلى مشهد يعيد إلى الأذهان إرهاصات ثورة فبراير 1979 ولكن هذه المرة بوجهٍ مغاير حيث بات واضحاً أن الشعب يريد قلب الطاولة على رأس من صادر الثورة واحتكرها باسمه، وعلى حلفائهم أيضاً.
ثورة فبراير الأولى.. حلمٌ خُطف وسلطةٌ احتكرت النبض
حين خرج الإيرانيون إلى الشوارع في فبراير 1979 كانوا يحلمون بدولة الحرية والعدالة.. دولةٍ تُنهي حكم الاستبداد وتُعيد الكرامة للمواطن؛ لكن سرعان ما خُطِف الحلم حين حوّل نظام ولاية الفقيه الثورة إلى مشروع تسلّط ديني غلّف القمع بعباءة العقيدة وبدّل طموحات الشعب إلى خيبات متكررة.. فما لبثت ما أسموها بـ الجمهورية الإسلامية أن أصبحت إمبراطورية للخوف تُحاكم الفكر وتُقيّد المرأة وتُخرس الصحافة، وتُبدّد ثروات الأمة في مغامرات عسكرية خارج الحدود من لبنان إلى اليمن وسوريا والعراق باسم "الدفاع عن المستضعفين".. بينما المستضعفون الحقيقيون يئنّون في طهران وأصفهان وتبريز من الجوع والقهر والبطالة.
المشهد الراهن.. شعب يختنق ونظام يتصدّع
تبدو جمهورية الملالي اليوم كجسدٍ مثخن بالجراح؛ يترنّح تحت ضربات اقتصادية خانقة واحتجاجات متقطّعة تُهدّد بالانفجار الكبير.. فقد فقدت العملة الوطنية أكثر من 80% من قيمتها خلال عقد واحد، والتضخم تجاوز 50%، فيما يعيش أكثر من ثلث الشعب تحت خط الفقر.. أما الشباب الذين يشكّلون أكثر من 60% من السكان.. فقد فقدوا الأمل في التغيير من داخل النظام بعدما أدركوا أن كل انتخابات هي مسرحية معدّة سلفًا لتجميل وجه الاستبداد، وما زاد الطين بِلّة أن النظام بدلًا من مراجعة سياساته اختار التصعيد فزاد من القمع وضيّق على الإنترنت، وأطلق يد الحرس الثوري في كل مفاصل الدولة؛ لكن التاريخ علّمنا أن القبضة الأمنية لا تُنتج إلا الانفجار، والآن يبدو أن البركان الإيراني يقترب من لحظة الحقيقة.
المأزق الاستراتيجي للنظام: شباب إيران يقرعون باب الإسقاط!
من المعارضة إلى الشارع.. هل يستعيد الشعب زمام المبادرة؟
في الداخل أخذت أصوات المعارضة من الطلبة والنساء والعمال تتوحد تدريجيًا تحت راية المطالبة برحيل النظام.. وفي الخارج تنشط المقاومة الإيرانية بقيادة السيدة مريم رجوي في فضح جرائم النظام وحشد التأييد الدولي لبديل ديمقراطي قائم على فصل الدين عن السلطة، والمساواة بين الرجل والمرأة، وإيران خالية من السلاح النووي.. هذه الرؤية باتت تجد صدى واسعًا بين الإيرانيين الذين سئموا عقود القمع والوصاية، وأصبحوا يدركون أن الخلاص لن يأتي من إصلاح النظام بل من تغييره جذريًا، وتتردّد اليوم في الشارع الإيراني شعارات تشبه تلك التي هزّت الشاه قبل أكثر من أربعة عقود: "الموت للديكتاتور"، و"الحرية.. المساواة.. الجمهورية الديمقراطية". لكن الفارق أن العدو هذه المرة ليس الشاه، بل من ادّعى الثورة ثم اغتصبها.
المرأة الإيرانية.. شرارة الثورة الجديدة
منذ أن سقطت "مهسا أميني" قتيلة بيد سلطات النظام القمعية تحوّلت المرأة الإيرانية إلى رمز للمقاومة.. الفتيات اللائي خلعن الحجاب في وجه القمع الأمني، ورفعن راية كسر الخوف وأشعلن نارًا لا تنطفئ.. فالثورة الجديدة ليست سياسية فحسب بل اجتماعية ووجودية تريد استعادة كرامة الإنسان الإيراني رجلاً كان أو امرأة، وما يميز هذا الحراك أنه حراكاً وطنيا عاما بدا وكأنه يسير وفق رؤية وطنية وتحرّكه إرادة شعبية واسعة تغذّيها وحدات المقاومة التي كسرت حاجز الخوف لدى الشعب.. كذلك ساهمت شبكات التواصل في تواصل قوى الشعب الثائر مع المقاومة الإيرانية الأمر الذي رفع حالة الوعيٌ وتأجيج مسيرة النضال نحو بالحرية.. مسيرةٍ تتجاوز كل الحواجز الطائفية والقومية.
التحالفات الخارجية.. النظام في مواجهة عزلة متنامية
خارج الحدود يجد النظام الإيراني نفسه محاصرا أكثر من أي وقت مضى.. فالعقوبات الأمريكية والأوروبية تضيق عليه الخناق، وحلفاؤه الإقليميون بدأوا يُدركون كلفة الارتباط بطهران.. حتى أن موسكو وبكين اللتان كانتا ملاذًا سياسيًا واقتصاديًا له باتتا تتعاملان معه ببرود قائم على العقل والمصلحة والبراغماتية لا بعاطفة أيديولوجية، وفي الوقت ذاته تتزايد التحركات الدولية الداعمة لحقوق الشعب الإيراني حيث عُقدت مؤتمرات متعددة في أوروبا والولايات المتحدة لدعم مطالب الإيرانيين في الحرية والديمقراطية بقيادة رموز المعارضة في المنفى.
هل يلوح فجر فبراير من جديد؟
السؤال الذي يفرض نفسه اليوم: هل يمكن أن يقوم الشعب الإيراني بثورة جديدة تعيد تصحيح مسار الثورة الأولى؟ وهل يُمكن للشعب الإيراني أن يحيي روح فبراير ليُسقط من صادرها؟
المؤشرات تقول: نعم.. فالتاريخ في إيران يُثبت أن الظلم مهما طال لا يستقرّ، وأن الشعوب حين تُقرر كسر القيد تفعل ذلك بصرخة واحدة تُزلزل العروش، ومع تراكم الوعي والاحتقان وظهور جيلٍ جديد لا يخشى الموت تبدو إمكانية انفجار ثورة فبراير ثانية أمرًا أقرب إلى الحتمية منه إلى الاحتمال.
صراع الإرادة والقدر السياسي
قد ينجح النظام في قمع موجة أو اثنتين، لكنه لن يستطيع قمع الوعي الجمعي إلى الأبد، وإنّ إيران اليوم لتقف على أعتاب مرحلة فاصلة بين نظامٍ يُصارع الموت وشعبٍ يكتب فجره بدماء شهدائه، وإذا كان فبراير 1979 قد جاء بولادة ثورة خُطِفت فربما يأتي فبراير القادم بولادة ثورة تُعيد الثورة إلى أصحابها الحقيقيين الشعب الإيراني بكل أطيافه.. الشعب الباحث عن وطنٍ بلا قمع ودولةٍ بلا عمائم تحكمها بالوصاية.
إنها معركة بين من يملك السلطة ومن يملك الإرادة، والتاريخ كما علّمنا لا ينتصر في النهاية إلا للإرادة.
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!

