الوضع المظلم
الثلاثاء ٢١ / أكتوبر / ٢٠٢٥
Logo
  • 2574 ضحية من أجل لقمة العيش... العتّالون في إيران بين الجوع والموت

2574 ضحية من أجل لقمة العيش... العتّالون في إيران بين الجوع والموت
2574 ضحية من أجل لقمة العيش

 
بقلم: فرامرز صفا – الكاتب الإيراني

رغم مرور أكثر من عقد على تفاقم ظاهرة "العتّالة" – نقل البضائع على الظهر عبر الحدود الغربية لإيران – لا تزال المأساة الإنسانية تتكرر كل يوم، في ظلّ صمت رسمي وسياسات أمنية تجعل من لقمة العيش مغامرة قاتلة.
عمل محفوف بالموت
العتّالة ليست ظاهرة جديدة في محافظات كردستان وكرمنشاه وأذربيجان الغربية، لكنها خلال السنوات الأخيرة تحوّلت إلى الوسيلة الوحيدة للبقاء لعشرات الآلاف من العائلات مع تصاعد الفقر والبطالة.
ولا توجد إحصاءات رسمية دقيقة، لكن منظمات حقوقية تقدّر أن أكثر من 70 ألف شخص يعملون في هذا المجال الخطر، معظمهم من الشباب، بينهم متعلمون لم يجدوا فرص عمل.
تجري عمليات العتّالين في ممرات جبلية وعرة، حيث تصل درجات الحرارة في الشتاء إلى ما دون عشر درجات تحت الصفر. يحمل العتّال حمولة ثقيلة على ظهره لساعات طويلة، معرضاً للانزلاق عن المنحدرات أو الموت تحت الثلوج أو برصاص حرس الحدود الإيراني.
أرقام مفزعة
وفق بيانات منظمة "كُردپا" لحقوق الإنسان، قُتل أو أُصيب ما لا يقل عن 2574 عتّالاً بين عامي 2012 وأكتوبر 2025، بينهم 656 قتيلاً و1918 جريحاً. وتشير الإحصاءات إلى تزايد مطّرد في عدد الضحايا منذ العقد الماضي، مع ذروة بين عامي 2017 و2024.
شهد عام 2023 أكبر عدد من الضحايا، ورغم انخفاض نسبي في 2025، فإن السبب لا يعود إلى تحسّن الأوضاع الاقتصادية بل إلى تشديد الطوق العسكري على الحدود، وإغلاق المسارات الرئيسية، وزرع الأسلاك الشائكة وبناء نقاط عسكرية جديدة.
فقر مزمن وتمييز هيكلي
في محاولة لتغطية الأزمة، أطلقت السلطات برنامجاً لما يسمى "بطاقة العبور الحدودي" تسمح بنقل كميات محدودة من البضائع عبر طرق معينة. لكن ناشطين مدنيين يؤكدون أنّ هذا النظام لم يوفّر أي حماية قانونية أو ضمانات اجتماعية، بل أجبر العتّالين على سلوك مسارات غير رسمية أكثر خطورة بسبب الفساد الإداري والقيود المفروضة.
ويرى خبراء الاقتصاد أنّ العتّالة نتيجة مباشرة لـ"الفقر البنيوي" والتمييز الإقليمي، إذ تعاني المحافظات الحدودية الغربية من أعلى معدلات البطالة وأدنى مستويات التنمية. المصانع نادرة، والمشروعات متوقفة منذ سنوات، فيما يعتمد آلاف الأهالي على هذا العمل القاتل كمصدر دخل وحيد.
التعتيم الرسمي
النظام الإيراني لا ينشر أي بيانات عن عدد العتّالين أو حجم الضحايا أو طبيعة البضائع المنقولة. والمعلومات المتاحة تستند إلى تقارير ميدانية وشهادات عائلات الضحايا ومنظمات حقوق الإنسان. هذه الفجوة تعكس رقابة صارمة وتعاملاً أمنياً مع الظاهرة.
أصل الأزمة يعود إلى الفقر والتمييز والنهج الأمني للحكومة. وطالما ترفض طهران تحمّل مسؤوليتها في توفير فرص العمل والتنمية، ستستمر المأساة. فالعتّالة ليست خياراً، بل ضرورة مفروضة على من حُرموا من أبسط مقومات الحياة.
شهادة من الحدود
يقول أحد العتّالين في كردستان: "نغادر ليلاً بين الثلوج لتفادي دوريات الحرس. نحمل 30 كيلوغراماً على ظهورنا مقابل نحو مليوني تومان (قرابة 18 دولاراً). نعود أحياناً، وأحياناً لا يعود أحد."
ورغم احتجاجات منظمات المجتمع المدني، لم تقدّم السلطات أي حلّ، بل كثّفت الإجراءات العسكرية وزرعت الألغام، ما يدفع العتّالين إلى طرق أشد خطورة. وتشير التقارير إلى وجود أطفال دون الثامنة عشرة بين القتلى.
من الجبال إلى طهران... مأساة لا تُرى
في إعلام النظام، تُوصف العتّالة بأنها "تهريب"، لكن لأهالي المناطق الحدودية هي "الحياة نفسها".
بينما يعيش سكان طهران غافلين عن هذه المأساة اليومية، يقضي آلاف الرجال والنساء لياليهم بين الخوف والأمل، ليعودوا مع الفجر إلى الجبال في رحلة جديدة نحو المجهول.
الإعدامات اليومية... سلاح خامنئي ضد الغضب الشعبي
وفي موازاة هذه المآسي، يواصل علي خامنئي تنفيذ الإعدامات اليومية كأداة لبثّ الرعب في المجتمع ومنع أي انتفاضة شاملة ضد الفقر والتمييز والفساد. فبدلاً من معالجة الأسباب التي تدفع الشباب للمخاطرة بحياتهم من أجل لقمة العيش، يعتمد النظام على القمع وسفك الدماء لترهيب الناس. لكن هذه السياسة، وإن أخّرت السقوط، لن تمنع الانفجار القادم.
 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!