الوضع المظلم
الخميس ٢١ / أغسطس / ٢٠٢٥
Logo
الأزمة الأمنية المستمرة تقوّض مستقبل سوريا
أحمد الخالد

أطاح سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي بموازين القوى داخل سوريا وخارجها، وسط آمال واسعة بمرحلة جديدة، لكنها سرعان ما تبددت أمام موجة من الاعتقالات والإعدامات والقتل الجماعي. وبينما تبرر السلطات الجديدة هذه الممارسات بأنها "استعادة للأمن"، يصفها محللون آخرون بأنها جرائم حرب. وهكذا، بات المشهد السوري في قلب الاهتمام الدولي، وسط مخاوف من انزلاق البلاد نحو مزيد من الفوضى.

حكومة جديدة تبحث عن شرعية
تدرك الحكومة السورية الحالية برئاسة أحمد الشرع حساسية المرحلة وخطورة التحديات الأمنية. وقد كثفت جهودها الدبلوماسية للحصول على دعم إقليمي ودولي، فاستقبلت وفوداً رفيعة المستوى من الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا، بالإضافة إلى دول عربية ناقشت معها ملفات التعاون الاقتصادي وإمكانية رفع العقوبات. وترى دمشق في هذه التحركات فرصة لتعزيز شرعيتها داخلياً وانتزاع اعتراف دولي واسع.

تعقيدات اجتماعية وطائفية
لا يزال التنوع الديني والعرقي في سوريا ساحة تحدٍ أمام السلطات الجديدة. ففي عهد الأسد، تمتع العلويون بمكانة مميزة، بينما حظي الأكراد والدروز بقدر من الاستقلال الذاتي. أما المعارضة فكانت بمعظمها سنية، دون أن يعني ذلك انخراط كل أبناء الطائفة في المواجهة مع النظام. ومع التحولات الأخيرة، برزت محاولات لإعادة رسم موقع كل جماعة داخل المشهد السوري.

الأقليات تحت النار
استهدفت وحدات أمنية جديدة العلويين باعتبارهم قاعدة دعم لنظام الأسد السابق، فيما تعرض المسيحيون لهجمات من جماعات جهادية متشددة. وافتقرت هذه الفئات إلى أي دعم خارجي، ما جعلها أكثر عرضة للاضطهاد.

أما الدروز في الجنوب، فكان وضعهم مختلفاً؛ إذ واجهوا الهجمات بشكل أكثر تماسكاً بدعم عسكري وإعلامي من إسرائيل. غير أن العنف في السويداء كشف انتهاكات واسعة من قبل قوات الأمن، شملت إعدامات ميدانية وقتل عائلات بأكملها لمجرد انتمائها الطائفي. وزاد الأمر حساسية حين قُتل دروز يحملون جنسيات أجنبية مثل الأمريكي حسام سرايا والفرنسي فراس أبو لطيف، ما سلط الضوء الدولي على القضية.

التداعيات الدولية
أحداث السويداء هزّت ثقة الدول الغربية بالحكومة الجديدة. ورغم تجاهل بعض العواصم الغربية لاضطهاد العلويين والمسيحيين، فإن مقتل مواطنين أجانب جعل الموقف أكثر تعقيداً. الولايات المتحدة وفرنسا، اللتان كانتا تدرسان استثمارات محتملة في سوريا، أعادتا حساباتهما بعدما أصبح شرط الأمن والاستقرار بعيد المنال.

وفي الوقت ذاته، يثير الاعتداء على الدروز قلق إسرائيل، الحليف الأبرز لواشنطن في المنطقة، خاصة مع وجود مجتمعات درزية في كل من إسرائيل والولايات المتحدة. وهو ما يجعل أي تقارب دولي مع دمشق رهناً بمراقبة دقيقة من تل أبيب.

أزمة شرعية داخلية
على الصعيد الداخلي، تفشل حكومة أحمد الشرع في ضبط الفصائل المسلحة أو كبح تجاوزات الأجهزة الأمنية. وقد غادر عشرات الآلاف البلاد منذ مطلع عام 2025، بينهم عائدون كانوا يأملون بالتغيير مع سقوط الأسد. ويعكس ذلك تراجعاً في التأييد الشعبي، حتى داخل الطائفة السنية التي تُعد القاعدة الأوسع للحكومة الجديدة.

تكشف التطورات الأخيرة أن سوريا لا تزال عالقة في دوامة من العنف والانقسامات، رغم الجهود الدبلوماسية الحثيثة التي تبذلها حكومتها الجديدة. وبينما يشترط الغرب استقراراً أمنياً للتعاون، تبدو دمشق عاجزة عن توفيره، مما يهدد بتحول البلاد إلى "دولة فاشلة" ويفقدها أي فرصة لجذب الاستثمارات أو تحقيق الاستقرار المنشود.

ليفانت: أحمد الخالد

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!