الوضع المظلم
الثلاثاء ٢٦ / أغسطس / ٢٠٢٥
Logo
الخارج أولاً… والشعب خارج الحسابات
شادي عادل الخش 

تصريح أحمد الشرع الذي تنكر فيه لكل ماضيه ومساره بقوله "أنا لست امتداداً للجهاديين، ولست امتداداً للإخوان المسلمين، ولست امتداداً للربيع العربي." كافية لتفتح الباب على سؤال أوسع موجه له ولنا جميعا إن لم تكن امتداداً لكل هذا، فما الذي تبقى من الطريق الذي أوصلك إلى هنا؟

أنا واحد من الذين عاشوا الثورة منذ يومها الأول. رأيت كيف دفع السوريون دماءهم ليُفتح هذا الباب، وكيف عبرت الحكاية محطات صعبة، كان فيها كثيرون جسوراً مشوا عليها ليصل غيرهم. واليوم، حين يعتلي أحدهم المنصة لينكر كل ما سبق، نشعر أن التضحيات تُمحى بجملة عابرة.

وهذه ليست المرة الأولى ففي خطابه الأول أعلن أن "الثورة انتهت"وقلنا أن ذلك يعتبر  إشارة مبكرة إلى أن ما جرى طوال السنوات الماضية لا يعنيه إلا بقدر ما أوصله إلى الكرسي. وبنفس اللقاء الذي جمعه مع اعلاميين عرب من إختياره أعلن أنه "تنازل عن الجراح التي سببها حزب الله في سوريا"  وكأن دماء الآلاف التي نزفت بيد تلك الميليشيا يمكن أن تُختصر في ورقة تفاوضية تُطوى على طاولة السياسة.

هذه التصريحات كلها لم تُوجَّه إلينا نحن السوريين، بل صيغت كلها لتُخاطب الخارج.
 إلى واشنطن وأوروبا ليقول: "لم أعد جهادياً."
إلى الخليج والقاهرة ليقول: "لست إخوانياً، ولن أكرر الربيع العربي."
إلى أنظمة المنطقة ليقول: "أنا لست ثورة"، بل مجرد سلطة تبحثون عنها ومتاح للإستثمار.

أما الرسالة التي تصل إلينا نحن فهي أوضح وهي أن هذا الرجل يعتبر أن لكل مرحلة أدواتها يتم استهلاكها ثم يتم الاستغناء عنها والتنكر لها. 
داعش كانت اداة وكذلك القاعدة والجهاديون والثوار الذين آمنو به كانوا أداة، الحواضن العشائرية كانت أداة، وحتى الثورة نفسها عاملها كأداة انتهى دورها. 
وعندها يصبح الدم السوري سلعة تُستبدل باعتراف خارجي، بينما الشعب يوضع على الهامش.

القضية ليست في الخلاف على الأسماء أو الانتماءات، بل في الثقة.
 من يعلن اليوم أن الثورة انتهت، ويتنازل عن جراح الضحايا، وينكر ماضيه، كيف يمكن أن يضمن أنه لن يتخلى غداً عمن يقف معه الآن إذا تغيّرت رياح الخارج؟

هذا الخارج الذي يسعى إليه قد يمنحه أوراق الاعتماد حين تقتضي المصالح، ولكنها تُسحب حين تتغير الموازين. 
هذا الخارج قد يرفع زعيماً إلى الواجهة، لكنه لا يمنحه يوماً استقراراً دائماً، لأن هذه شرعية ظرفية، هشّة بطبيعتها، تعيش بقدر ما تعيش المصلحة التي أنتجتها.

أما الشرعية التي تستقر فلا تُمنح عبر صكوك الإعتماد من عواصم الخارج، بل تُبنى مع الناس الذين دفعوا الثمن وصمدوا على الأرض. 
كل سلطة تُقام على رضا الخارج وحده تبقى معلّقة بخيوط رفيعة، وإن استمرت... إن استمرت! فلن يكون ذلك إلا بشرعية الدماء وأجهزة المخابرات والبندقية الموجّهة إلى الداخل.

ومع ذلك هذا النوع من الشرعية لا يؤسس لدولة ولا لصناعة مستقبل، بل يعيد إنتاج الكارثة التي جرّبها السوريون لعقود. 

فوحدها شرعية الشعب قادرة على تحويل السلطة إلى مشروع وطني، لا مجرد وظيفة سياسية في سوق الصفقات الدولية، وهذا درس فهمه الطغات عبر التاريخ ولكن دائما بعد فوات الأوان وبعد أن دمروا شعوبهم وأوطانهم.

تصريح الشرع ليس مجرد نفي للماضي، بل إعلان بأن الداخل ليس جزءاً من حساباته، وأن الشعب والثورة والضحايا لا يساوون عنده شيئاً أمام ختم اعتراف خارجي. وهذه ليست براغماتية، بل بيع رخيص في سوق السياسة الدولية.

ماقاله الشرع لا يخص النقاش عن جهاديين أو إخوان أو ربيع عربي. بل عن معنى الوفاء، وعن قيمة الدم السوري الذي لا يجوز أن يُمحى بجملة في خطاب. 
فمن يرى أن الخارج يكفيه ليبقى، فليتذكر أن الداخل هو الذي كتب التاريخ، وهو الذي سيحسم المستقبل. 

شادي عادل الخش
 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!